صواريخ عم عطية

TT

على ذمة صحيفة «عكاظ» عدد أمس الجمعة أن مقبرة في حائل شهدت تكدسا في الجنائز إثر تعطل عمليات حفر القبور وغسل الموتى نتيجة وجود عاملي المقبرة في التوقيف، بتهمة قتل زميل لهما في حادثة مشاجرة جرت الأسبوع الماضي، الأمر الذي اضطر هيئة التحقيق والادعاء العام إلى الإفراج عنهما مؤقتا أول من أمس لإنهاء تكدس الجنائز، وإعادتهما إلى التوقيف بعد انتهاء المهمة!

لم أكن أتصور قبل قراءة الخبر أن الحانوتية أصحاب تخصص نادر، يمكن أن يحدث إرباكا في طابور الموتى إن هم سجنوا أو أضربوا أو انقرضوا، ولما كان جل أو كل الحانوتية في مدينة جدة - كمثال - من العمالة الوافدة، فهذا يعني أن ذقوننا وذقون موتانا في أيديهم، إن شاءوا عجلوا بذهابنا إلى أجداثنا، وإن تمردوا فما علينا إلا أن نملّح جثث موتانا، ووزارة العمل بريئة من الاتهام في عدم توطين هذه الوظائف، فأذكر أن شخصا روى لصحيفة «اليوم» - عدد 2/6/2004 - أن أخاه الطالب المدرسي أراد الانضمام إلى برنامج العمل الصيفي للطلاب، وتقدم إلى مكتب العمل، فوجهوه إلى وظيفة حفار قبور، وتأكيد المكتب له أنها الوظيفة المتوفرة لديهم، ففر المسكين بجلده، ولسان حاله يقول لمكتب العمل: «لا تقرصيني يا نحلة ولا أبغي لك عسلا». والحقيقة أن هذا النوع من الأعمال يكسب المشتغل به أجرا وأجرة، ولذا أستغرب عدم إقبال الباحثين عن الأجر أو الأجرة أو الاثنين معا إلى هذا العمل الإنساني الذي يستهدف ستر الموتى.

والاشتغال بالأعمال المتصلة بالموتى تذكار للأحياء، وكان الناس في الماضي يتهافتون على هذه الأعمال، واعتاد النجارون في أوقات فراغهم التطوع بعمل النعوش الخشبية التي يحمل عليها الموتى، وأشهر المحتسبين في هذا المجال نجار شهير في مدينة جدة، هو العم عطية، فكان ينتج في العام عشرات النعوش، يرصها في ترتيب عجيب أمام منجرته، ريثما يأتي أصحاب النصيب لأخذها مجانا، وظل بعض الجيران يتشاءمون من رؤيتها بهذه الكثرة في غدوهم ورواحهم، فحرضوا أحد الأشقياء أن يحفر على جوانبها ليلا عبارة: «صواريخ عم عطية»، وأغضبه الأمر كثيرا، وأخذت منه معالجة المسألة وقتا حتى تمكن من محو العبارة، ومن يومها توقف عن عرض تلك النعوش على قارعة الطريق.

وأشهر أدباء روسيا مكسيم غوركي كانت مهنته لفترة من الوقت حفارا للقبور، وقد حرضته أجواء التعامل مع الموتى ورهبة القبور على البحث الدائم عن حقيقة الحياة، وهي النزعة التي انعكست بوضوح على سائر أعماله الأدبية، وفي النمسا يسهم الحانوتية في حملات التحذير من السرعة، بنشر سيارات نقل الموتى على الطرق التي تشهد كثيرا من الحوادث، وقد وضعوا على عرباتهم ملصقا كتب عليه: «نحن في انتظاركم دائما»، ويصف السائقون حملة الحانوتية بأنها مرعبة وقاسية، وأنها أكثر الحملات نجاحا وتأثيرا.

[email protected]