حملة قندهار

TT

ستمثل المعركة القادمة للسيطرة على مدينة قندهار الأفغانية القديمة، التي تقع على مفترق طرق، التحدي الأكثر صعوبة للحرب في أفغانستان، ليس فقط لأنها ستكون بالضرورة معركة دموية، لكن أيضا لأنها ستتطلب تقديم البند الأكثر صعوبة من جانب القادة العسكريين الأميركيين، وهو تحسين الحكم.

تعد قندهار معقل البشتون، فهي مكان للقبائل والعشائر المتنافسة، ومكان للثروة الخفية المتراكمة من تجارة المخدرات وتهريبها، ومكان لأصحاب النفوذ سيئي السمعة الذين يُرمز لهم في أذهان الناس باسم أحمد والي كرزاي، رئيس مجلس محافظة قندهار وشقيق الرئيس الأفغاني.

ويعد إصلاح الحكومة المحلية مثل تفكيك هرم من الأعواد، فإذا قمت بحركة خاطئة فسيتسبب ذلك في انهيار الهرم بالكامل. ومع ذلك، إذا ساعدت الولايات المتحدة الهيكل القائم للسلطة، فسيبدو أنها تتغاضى عن الفساد هنا في هذه المدينة، وهو ما يمثل رسالة سيئة للرأي العام في أفغانستان وأميركا على حد سواء.وبالحديث مع مسؤولين أميركيين حول الحملة القادمة، سمعت عن مجموعة من الأفكار الجيدة، لكنها ليست استراتيجية واضحة. يعرف المسؤولون الأميركيون أنه ليس بمقدورهم الوفاء بالوعد الذي قدموه في حملة مكافحة التمرد، والمتمثل في حماية السكان من دون انتهاك سلطة رؤساء القبائل المحلية. ومع ذلك فهم قلقون بشأن الإطاحة بالنظام هنا، وفتح الطريق أمام ما قد يشكل أسوأ من الفوضى، وهو موجة جديدة من الاستياء ضد التدخل الأميركي.

وستشتمل حملة قندهار على عنصر عسكري، حيث ستقوم القوات الأميركية بمداهمة معاقل طالبان المحيطة بالمدينة، مثل زاري وبنجاوي وأرغنداب. لكن المشكلة داخل قندهار لا تتمثل في العدو قدر ما تتمثل في أصدقائنا مثل أحمد كرزاي. وستكون المعركة في المدينة سياسية أكثر منها عسكرية، وستتطلب مهارات وخبرات غير متوافرة حاليا.

ويقول أحد كبار القادة العسكريين الأميركيين «المدهش هو ما لا نعرفه عن قندهار». وكان هذا القائد قد أشرف لتوه على حملة خاصة لجمع المعلومات الاستخباراتية عن أصحاب النفوذ وشيوخ القبائل ومظالمهم، إلى جانب «الأشخاص المشهورين في حديقة حيوان قندهار» على حد قوله. ولسوء الحظ، تبدأ الولايات المتحدة من قاعدة منخفضة بعد سنوات من جمع المعلومات الاستخباراتية التي كانت «متعلقة بصورة هامشية فقط بالاستراتيجية الشاملة»، وفقا لتقرير صدر في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي عن الميجور جنرال مايكل فلين. وبعد الاعتراف بالفجوات العميقة في معلوماتهم، تبنى القادة العسكريون الأميركيون ما قد يوصف بأنه «التواضع التنفيذي». فهم يعرفون أنهم من الممكن أن يرتكبوا أخطاء كبرى إن لم يكونوا على حذر. فإعادة تشكيل هيكل السلطة القائم قد يضع الولايات المتحدة على جانب الرجل البشتوني العادي، لكنه سيخلف فراغا في السلطة قد يتم استغلاله من جانب حركة طالبان. وبالأخذ في الحسبان بداية انسحاب القوات الأميركية من البلاد المقررة في شهر يوليو (تموز) من عام 2011، فليس هناك وقت لتجارب محفوفة بالمخاطر في قندهار. يشعر المسؤولون الأميركيون بالخطر، على نحو معقول تماما، بشأن قانون العواقب غير المقصودة.

لذا يؤثِر القادة العسكريون، بدلا من ذلك، تبني منطق يطلق عليه البعض «إعادة تحقيق توازن» في النخبة الحاكمة بقندهار. وستخلق هذه الفكرة مساحة سياسية أمام القبائل والعشائر التي لم يشملها نظام الغنائم القائم. ويقول فرانك روغيرو، المسؤول بوزارة الخارجية والممثل المدني الأميركي في جنوب أفغانستان «المشكلة الأساسية في قندهار هي أن لديك سكانا محرومين من الحقوق». والأداة التي يأمل خبراء الاستراتيجية الأميركية في استخدامها لتوسيع القاعدة السياسية في قندهار هي المجلس التقليدي الأفغاني الذي يعرف باسم «الشورى». ويشجع المسؤولون مثل هذه المجالس التي تعقد بانتظام في المدينة والأحياء المحيطة، ويحثون المسؤولين الأفغان على جعلها أكثر شمولا وأفضل من أجل معالجة الشكاوى. ويريد المسؤولون الجمع بين هذه المجالس ونظام أفضل للشرطة، بمساعدة مدربين أميركيين، ومشروعات تنموية اقتصادية جديدة. وبالسفر هنا مع الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، حضرت أحد مجالس الشورى الذي استضافه توريالاي ويسا، حاكم محافظة قندهار، ولم يكن هذا المجلس على نحو دقيق تجمعا من المحرومين. وحذر المتحدثون فيه من أنه لا يجب على الولايات المتحدة ملاحقة كرزاي. وقال ويسا عقب الاجتماع «إذا لم يكن هنا، لكان هذا التوازن مختلا».

قد يكون كبح جماح الفساد في قندهار مهمة مستحيلة. لكن هذه هي المهمة اختارتها الولايات المتحدة لنفسها، بوعدها من خلال حملة مكافحة التمرد بأنها تعمل من أجل التوصل إلى أفغانستان أفضل وأكثر عدلا مما قدمته حركة طالبان.

إن هذا التنافر بين الغايات والوسائل هو ما يقلق أي زائر لهذه المنطقة في الأسبوع الحالي. فللمفارقة، الجزء الأصعب في هذه الحرب ليس القتال في الميدان، الذي يديره الجيش الأميركي ببراعة، لكنه النضال على الساحة السياسية الأفغانية، والتي لا نعرف عنها إلا القليل

* خدمة «واشنطن بوست»