المقاعد المفقودة.. بين التحالف الكردستاني و«التغيير»

TT

كانت نتائج الانتخابات العراقية في المحافظات ذات الأغلبية الكردية متوقعة بعض الشيء، وكان لحركة التغيير أثر بالغ في تقليص المد الجغرافي للاتحاد الوطني الكردستاني. وقد انعكس هذا التأثير أيضا على مجموع الأصوات الكردية والنتائج النهائية، وذلك بسبب تبعثُر الأصوات في القوائم الكردية التي لم تفلح في توحيد صفها الكردي في المناطق المتنازع عليها، خاصة في الموصل وكركوك وديالى، في قائمة موحدة، مما أدى إلى تساوي التحالف الكردستاني بالقائمة العراقية بعربها وتركمانها في مدينة كركوك، وخسارة أكثر من 60 ألف صوت كردي في هذه المحافظة. وهذا يعني أن الكرد خسروا في كركوك نائبا ونائبة (على أقل تقدير) وفق الأصوات التالفة، وعلى الصعيد العراقي خسر الكرد أكثر من 150 ألف صوت بسبب تعدد كياناتهم الانتخابية.

لم تفلح المعارضة الكردية في إقليم كردستان والمناطق المتنازعة عليها في استقطاب الناخب الكردي وإقناعه بالتصويت لصالحها. ومن جهة أخرى اختارت المعارضة نزالها السياسي مع التحالف الكردستاني وتسوية اختلافاتها بتلك القائمة على حساب الناخب الكردي الغاضب من أداء الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان. وكانت النتيجة تراجع الكرد على المستوى العراقي وتأثرهم بمزايدات المعارضة على الأحزاب الحاكمة.

التوقيت أو الزمن السياسي الذي اختارته المعارضة لم يكن بالدقيق، أو بمعنى آخر لم تكن تلك الساحة صالحة من الجانب السياسي لهذا النزال أو هذه التسوية أو التحدي الذي اختارته المعارضة الكردية بأحزابها العلمانية أو الإسلامية السياسية. ومما لا شك فيه أن الناخب الواعي، أو المتأثر قوميا، بل وحتى الذين بات لهم زمن في الانتظار لتسوية نزاعاتهم الملكية في إطار الحل الدستوري للمناطق المتنازع عليها، سوف يحملون في ذاكرتهم صورة الجهات التي تسببت في خذلانهم أو بعثرت آمالهم في التسوية النهائية لهذه الدورة الانتخابية الجديدة والعبور إلى المرحلة القادمة لإعادة بناء العلاقات والتعايش السلمي مع الأقليات الأخرى في كركوك.

الورقة التي اختارتها المعارضة للضغط على التحالف الكردستاني لم تكن بالحاسمة للتعادل، بل ولم تأت بنتائج جديدة مفاجئة كي تتحول داخليا إلى الورقة التفاوضية وفرض إرادة المعارضة السياسية لتوسيع مشاركاتها المتعددة في الحياة السياسية في أربيل. كان من المفترض أن تلعب المعارضة دورها نفسه في إطار القائمة الشاملة التي تعبر عن هذه المرحلة ومقتضياتها السياسية، لأن الكرد وإن كانوا شركاء في بغداد، فإنهم لن يكون لهم الدور الحاسم في تسمية الرئيس الجديد للعراق إن لم يكونوا أساسا متوحدين في تحالف مشترك أو قائمة واحدة.

وإذا كانت المعارضة، خاصة حركة التغيير، قد اختارت الساحة العراقية لتسوية خلافاتها السياسية مع الاتحاد الوطني والزحف بطالباني من منصب رئاسة الجمهورية وإجبار الإدارة الكردستانية في أربيل والسليمانية على احتضان مشاريعهم السياسة، فكان الأجدر بهم أن يبدأوها من تلك المراكز، وألا يراهنوا بالوجود الكردي في بغداد وأبعاد هذا الدور في حسم الرسم النهائي لخارطة الحكم في العراق، وكان الأجدر بهم أيضا أن يقرأوا الإجماع السياسي على منصب رئاسة الجمهورية من قبل الأطراف العراقية الأُخرى واختيارهم طالباني كونه يمثل صمام الأمان للعراق الفيدرالي.

المعارضة الكردية عبثت بأوراق غاية في التعقيد والحساسية لفرض إرادتها في أربيل أو السليمانية. هذا العبث يعتبر ليا للذراع، بل وكسرا للعظم إن صح التعبير. لأن القضايا الاستراتيجية خاصة التي حصدت عشرات السنين من الصراع بين الكرد والحكومات العراقية ما كانت لتصبح ورقة سياسية يسيرة وضاغطة لإجبار الخصم السياسي على التنازل عن بعض الأمور السلطوية الخلافية على الصعيد الداخلي. وبالتالي فأيا كان السبب في خسارة الكرد أكثر من 5 مقاعد، فإن الناخب الكردي في الجولات الانتخابية اللاحقة، برلمانية كانت أو مجالس محافظات، لن ينسى هذا الانكسار، ولا بد من تصحيح تلك الأخطاء.

وإذا ما أراد الاتحاد الوطني الكردستاني (تحديدا) العودة بقوة إلى الساحة الكردستانية، وأن يجعل حكومة أربيل قوية وثابتة أمام الموجات الهادفة أحيانا على المستوى الإعلامي، فعليه أن يزيد كرسيا آخرا على طاولة مفاوضاته المستقبلية أو دبلوماسيته المتبعة لاحقا. وعليه أن يكون جريئا لفتح هذا الباب، وأن تعيد المستبعدين عن وظائفهم بإرادتها السياسية دونما إجبار!

وعلى المعارضة، وحركة التغيير تحديدا، أن تخفف من حدة تصعيدها الإعلامي، وأن تنظر إلى القضايا الخلافية (حكومية كانت أو حزبية) بواقعية أكثر، وعدم فرض الشروط التعجيزية المسبقة لأي فرصة قادمة قد تأتي لمواجهة الاتحاد الوطني على طاولة تفاوضية مباشرة. وعليها أيضا أن تختار الجبهات السياسية والفكرية التي تتناسب وتطلعاتها لا أن تُجبَر أو تُجبِر نفسها على اختيارات، أيا كانت، ومشاركتها في جبهتها السياسية.

* كاتب سياسي

من كردستان العراق