ألفان.. و«حَشْرَة!»

TT

بعد مرور الربع الأول من السنة المالية لا تزال محاولات استقراء الجزء الباقي من السنة تسير بوتيرة عاجلة، وذلك من باب التوقعات المدروسة ومنعا للمفاجآت غير السارة، هناك فريق متفائل يرى نصف الكوب ممتلئا، وهذا طبعا شيء جميل، ولكنه يخفي عن أعينه حقائق ويؤجل التعامل مع مشكلات، وهذا مجرد هروب من الواقع وليس أكثر. فالاقتصاديات العربية الكبرى في حال فريدة، بين اليقظة وبين الكابوس، فآثار الأزمة المالية الكبرى لا تزال بيننا.

فها هي معدلات المنتجات المشحونة بالبحر إلى الموانئ العربية تشهد نسب هبوط بالغة الدلالة، مقارنة بالعام المنصرم، في إشارة إلى حذر التجار الشديد من المبالغة في الطلبات، وبالتالي من تكديس البضائع في المستودعات دون حراك أو بيع ينتج عن ذلك. وها هي معدلات بيع السيارات تتجه إلى انخفاض ملحوظ، على الرغم من العروض غير المسبوقة من قبل التجار والموزعين، التي تشمل مزايا وشروطا مغرية لم تقدم من قبل، وطبعا هناك الأوضاع المقلقة للمصارف، التي لم تنه التعامل الجاد مع مشكلاتها، ومع دائنيها، سواء من استدعى الأمر أن يتم التعامل معهم بشكل «تقني ومصرفي بحت» أو من استدعى أن يتم التعامل معهم بشكل «جنائي»، في حال استدعى الأمر ذلك، وهو الأمر الذي ترك أثره الهائل على قدرة المصارف على الإقراض بجدية لمطوري العقارات أو التجار أو الصناع، كما يبدو ذلك بوضوح، مما أدى إلى ضياع فرص استثمارية في غاية الأهمية.

وعليه تبدو فقاعة العقار في السعودية ومصر وسورية ولبنان والأردن مسألة تستحق الوقوف عندها، لأنها فقاعات، إلى حد كبير من دون أعباء مصرفية كبيرة، وخصوصا في الحالة السعودية، مما يعني أن «انسحاب» المستثمرين لن يكون عاجلا، ولكن ضعف حركة البيع الواضح سيقدم خيارات معقدة للملاك لأجل الخروج من هذا المأزق المالي.

سنة ألفين وعشرة لن تكون سنة سهلة، بل ملامحها تبدو معقدة جدا ويضاف لذلك «تعقيد» غريب لأوضاع بعض السلع الأساسية، كالحديد والأسمنت التي يجري اللعب بأسعارها بشكل أحمق وغير مسؤول، مسببا أضرارا هائلة على القطاع العقاري وقطاع المقاولات، وكذلك على الاقتصاديات الوطنية ككل. هناك اعتقادات، بل إن هذه الاعتقادات تحولت إلى قناعات، بأن سياسة المجاملات وعدم الرغبة في المواجهة والحسم (وهي مسألة مطلوبة ولا شك) أجلت من البت القاطع لبعض المشكلات العويصة مما ولد تبعات مضرة وخلق أزمة ثقة واضحة، وأكثر ما يضر أي اقتصاد هو هز الثقة، وبالتالي فقدانها، وهي تكلفة كبيرة تستغرق وقتا هائلا لإعادة بنائها من جديد.

البترول واستمرار أسعاره المريحة والمرتفعة ونسب إنتاجه المطمئنة والمغطية لاحتياجات أسواق العالم بشكل مرض تبقى هي النقطة الإيجابية الأساسية والضامنة لتدفق نقدي مستمر وإيجابي، من الممكن البناء عليه وترتيب أوراق الدار، ولكن تبقى هشاشة سياسات الاستثمار وغياب الرؤية الاستراتيجية في معرفة كيف توجه العوائد الاستثمارية في العالم العربي، هل هي لأجيال الغد، فتكون بالتالي في صناديق استثمارية منخفضة المجازفة، أم في مصانع داخل الأوطان لضمان فرص توظيف للتعامل مع نسب البطالة المخيفة اليوم؟، جدل فلسفي لم يحسم إلى اليوم، لأن سياسة الاستثمار مليئة بالغموض ويديرها موظفو دولة متوسطو الدراية بدلا من فريق محترف له الحنكة والخبرة والحكمة. ألفان وعشرة ستكون سنة تحديات، وهذا يتطلب الحذر واليقظة.

[email protected]