من أفقد الكرد المقاعد المزعومة؟

TT

يجري الحديث هنا وهناك عن أن قائمة التغيير والقوائم الأخرى التي دخلت السباق الانتخابي على انفراد هي التي تسببت في ضياع عدد من مقاعد مجلس النواب العراقي، حيث كان من الأجدر بهذه القوائم أن تتحد فيما بينها لضمان عدم تشتت مقاعد وأصوات الكرد.

وللإجابة على هذا التساؤل المشروع، نقول: إن الدخول في أي عملية انتخابية سواء كان في قوائم متعددة أو قوائم منفردة يعود إلى عدة عوامل؛ منها ما يتعلق بتقارب الأهداف والبرامج، ومنها ما يتعلق بعلاقات الأحزاب والكيانات السياسية فيما بينها، ومنها أيضا ما يتعلق بفن الانتخابات ومعرفة اللعبة الانتخابية وخبرة هذه الأطراف في كيفية الدعاية الانتخابية والحملة الإعلامية لصالح المرشحين والتمويل والتنظيم لهذه الحملة، وإلى آخر هذه الأمور التي قد تختلف درجة الدراية بها من حزب إلى حزب ومن تحالف إلى آخر.

بعد ظهور قائمة التغيير ودخولها في انتخابات برلمان كردستان في 25/7/2009، تغير المشهد السياسي والانتخابي في إقليم كردستان، حيث استطاعت حركة التغيير الحصول على 25 مقعدا، مما أعطى البرلمان الكردستاني والمعارضة في الإقليم لونا جديدا مغايرا، حيث دبت الحياة في برلمان إقليم كردستان الذي انتُقد كثيرا لأدائه الضعيف وتبعيته المطلقة للسلطة وللحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.

ظهور حركة التغيير بهذه القوة في المشهد السياسي والمعادلة السياسية الكردية أفقدت السلطة الكردية توازنها. وبدلا من أن تتعامل مع «التغيير» كأمر واقع، تنكرت له وبدأت بتنفيذ سياسة عقابية ضد من صوتوا لصالح هذه القائمة بل وحتى المشكوك في ولائهم لقائمة التحالف الكردستاني.

لقد استمر هذا الحال حتى يوم انتخاب مجلس النواب العراقي في 7/3 الماضي، ولم تتوقف الإجراءات التعسفية العقابية من طرد ونقل وتنزيل رتب وإبعاد وتهديد إلى آخره من الممارسات المعيبة والمشينة، حتى يومنا هذا، التي أساءت إلى التجربة الديمقراطية في كردستان وعمقت من هوة الخلاف بين الأحزاب والكيانات والقوائم المتنافسة في الإقليم.

إن التحالف الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني على وجه التحديد، يتحمل نتائج هذه الممارسات وتبعاتها في إظهار الكرد وكأنهم منقسمون متشرذمون، حيث أظهرت السلطات في الإقليم للجميع بأنها مع العملية الديمقراطية إلى اليوم والساعة التي تجعلهم في سُدة الحكم أو قريبين منها. أما إذا كانت النتائج ستفضي إلى غير ذلك، فإنهم على أتم استعداد للانقلاب على مجمل العملية السياسية والديمقراطية، ولن يتقبلوا مطلقا هذه النتائج بروح رياضية.

ليس الكرد وحدهم قد دخلوا العملية الانتخابية بقوائم مختلفة وخسروا أصواتا هنا وهناك، بل إن العرب والتركمان، الشيعة والسنة والمسيحيين هم أيضا دخلوا بقوائم مختلفة وضمن كيانات أكثر بكثير من الكرد.

عندما يتحدث البعض عن خسارة مقعد في هذه المحافظة أو تلك، فهم لا يتحدثون عن أصل المشكلة ولا عن الأسباب التي جعلت ثلاث قوائم لا تأتلف مع التحالف الكردستاني، في حين كانت هناك قائمة واحدة فقط، وهي قائمة الاتحاد الإسلامي الكردستاني، لم تأتلف مع قائمة التحالف في انتخابات 2005. وهم لا يعترفون بأن أخطاءهم الكثيرة في بغداد وفي الإقليم واستشراء مختلف أنواع الفساد قد أدى إلى هذه الدرجة من السخط والغضب الجماهيري، ويطمرون رؤوسهم في الرمال لكي لا يروا ما يجري حولهم وما يحيط بهم وبشعبهم وبتجربتهم من مخاطر. ولا يريدون الاعتراف بأن قوة الكرد ليست في إضافة مقعد أو مقعدين أو ثلاثة في مجلس النواب العراقي رغم أهمية ذلك، بل إن قوتهم تكمن في وحدة صفهم وقوة حجتهم ومناعة تجربتهم الديمقراطية في الإقليم. فكلما كنا ديمقراطيين أكثر، كان موقعنا واحترامنا في بغداد أكبر.

ونظرة عابرة إلى أصوات الكرد في محافظة بغداد خلال الانتخابات الأخيرة وما سبقتها تظهر مقدار تدني وتراجع هذه الأصوات التي من السهل إلقاء اللوم فيها على المعارضة وتعدد القوائم، ولكن من الصعب على أحزاب السلطة الاعتراف بأخطائها وتدني شعبيتها حتى بين أتباعها وأنصارها التي تتسلم من هذه الأحزاب الرواتب والإعانات وبأعداد مضاعفة من الأصوات الانتخابية التي حصلت عليها.

لا نعترف نحن الكرد بأن سياساتنا وخطابنا السياسي بعد عملية التغيير في العراق كانت دون المستوى المطلوب وعمق الحدث. لذا خسرنا الكثير من التأييد العربي والكردي والتركماني مقارنة مع ما كنا عليه قبل سقوط النظام. نحن لم نستطع في الإقليم وفي بغداد كسب أصوات جديدة لصالح قضية شعبنا ولا حتى أن نبين مظلومية وعدالة قضايانا في كركوك والمناطق المتنازع عليها مثار الجدل. ولم نكن أذكياء عند المطالبة والإصرار بعودة تلك المناطق إلى الإقليم، لأننا لم نجعل من الأخيرة الفردوس الذي يرنو إليه الجميع لتطالب بالانضمام إليه، ليس أهالي كركوك فحسب وإنما حتى مدن أخرى عربية غير متنازع عليها، ولم نجعل من مدن الإقليم منارة للحرية والديمقراطية، لم نجعل منها أوروبا صغيرة تمنع قوانينها التسلل إليها ويلهث الآخرون لنيل العضوية فيها.

* رئيس تحرير صحيفة «روزنامة» وعضو لجنة النزاهة

في مجلس النواب العراقي