موقف الحكيم الحكيم

TT

الموقف الذي عبر عنه السيد عمار عبد العزيز الحكيم، يوم الخميس الماضي، بشأن عدم استثناء القائمة العراقية من مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية بعد الانتخابات موقف يسجل للحكيم، ويبشر بزعامة عراقية حكيمة يمكن أن تمثل مرجعية سياسية عراقية مستقبلية لكل أطراف العملية السياسية المعقدة في العراق.

القائمة العراقية برئاسة رئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور إياد علاوي حصدت العدد الأكبر من الأصوات والعدد الأكبر من المقاعد البرلمانية بين كل القوائم العراقية التي خاضت الانتخابات في السابع من الشهر الماضي. وهو أمر يلزم، قانونيا ومنطقيا وديمقراطيا، بأن يشكل الحكومة القادمة من حصل على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، لكن رئيس الوزراء المنتهية وزارته نوري المالكي والرئيس العراقي المنتهية رئاسته جلال طالباني لهما حسابات أخرى. الرئيسان يناضلان بكل ما أوتيا من قوة ومن تكتيكات معيبة، أحيانا، لبقاء الوضع على ما هو عليه، ويطمحان للبقاء في سدتي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء. وهو أمر مناف لما يجب أن تكون عليه الديمقراطية، ويناقض إرادة الشعب العراقي التي توزعت بأصواتها على فرقاء متعددين كان للقائمة العراقية بينهم النصيب الأكبر من عدد المقاعد.

مام جلال ذهب قبل أيام إلى طهران في توقيت حرج لا يمكن أن يغفله مراقب، وهو الفترة الانتقالية لتشكيل حكومة عراقية جديدة. وقد كانت رئاسة جمهورية العراق تفترض أن يكون السيد جلال طلباني أكثر إدراكا لرمزية توقيت الزيارة إلى بلد إقليمي ذي طموح هيمنة ليس بخاف على أي مواطن عراقي، ولا على أي متابع للساحة العراقية. وهو بذلك قد أفقد منصب الرئاسة استحقاقات الهيبة والاستقلالية التي طالما رفعها كل عراقي وطني مخلص. ولا يشك أحد بأن السيد طالباني كان أحد رافعي تلك الشعارات والمناضلين عقودا لتحقيقها.

محاولات استبعاد الدكتور علاوي من تشكيل الحكومة القادمة، أو لعب دور أساسي في تشكيلها، أخذت نماذج غير مقبولة، فتارة هيئة المساءلة والعدالة تستبعد مرشحي «القائمة»، مثلما حصل باستبعاد قائمة صالح المطلق ومعه العشرات قبل إجراء الانتخابات، وتارة تستبعد بعض من فازوا في الانتخابات منهم، بحجة أنها اكتشفت أن لهم علاقات بحزب البعث العربي الاشتراكي المحظور.

هذه المحاولات هي محاولات إقصائية، الهدف منها إلغاء أطراف سياسية عراقية أساسية، قال عنها الحكيمُ الحكيم إنها «مكون أساسي في العملية السياسية» رافضا، بكل وطنية وديمقراطية، مشاركة ثالث أكبر القوائم الفائزة في الانتخابات، وهي الائتلاف الوطني العراقي الذي يتزعمه، في أي مشاورات لتشكيل حكومة تستثني في تشكيلها القائمة العراقية.

إن عقلية الإلغاء بحجة الانتماء للبعث وحدها، من دون ارتكاب جرائم في النظام السابق، أصبحت شماعة يعلق عليها من يريدون الاستفراد بالقرار العراقي أهدافهم، وهي لا تختلف كثيرا عن حجج نظام صدام حسين الذي ألغى كل معارضيه وقام بتصفيتهم بحجة الانتماء للشيوعية والعمالة والعلاقة بالصهيونية والإمبريالية، إلى آخر قائمة الاتهامات المضحكة المبكية.

إن نظرة تحليلية على نتائج الانتخابات العراقية التي جرت قبل أسابيع تكشف أن الشعب العراقي يرغب في تجاوز كثير من جراحات الماضي، ويصر على طي صفحات من الألم عاشها عبر عقود، وعبر عن عزمه على تجاوزها في مشاركته العالية بالانتخابات وفي ميله الواضح للنهج المدني الذي تبنته القائمة العراقية، وهي ملاحظات أدركها السيد الحكيم بذكاء، وبنى موقفه يوم الخميس الماضي على أساسها.

إن من أهم استخلاصات الانتخابات العراقية الماضية أن للشارع العراقي توجها غير توجهات من كانوا بالسلطة طيلة السنوات الأربع الماضية، في المنطقة الخضراء، لكن البعض ما زال يطمح للعودة إليها حتى «لو انلاصت»!