عربة فول وأستاذ جامعة وزوجة تطلب الطلاق

TT

تقدمت أستاذة جامعية إلى محكمة الأسرة تطلب الطلاق من زوجها الأستاذ الجامعي لأنه يتناول الفول المدمس على عربة فول في الشارع («المصري اليوم» القاهرية في 27 مارس/آذار 2010)، مما يسبب لها إحراجا شديدا ويسيء إلى سمعتها وسمعة أسرتها، كما اشتكت من تأخره في الحصول على الدكتوراه وأن مستواه المادي متوسط في حين تنتمي هي إلى أسرة عريقة ذات أصول تركية. وفي دفاعه عن نفسه قال الزوج إنه يحب زوجته وإنه لم يقصر في أداء واجباته الزوجية والأسرية، أما عن تأخره في الحصول على الدكتوراه والحصول على درجة الأستاذية فقد عزاه إلى موضوع البحث الطويل وتعنت المشرف أو المشرفين على رسالته، أما عن التهمة الرئيسية الموجهة إليه وهي تناول الفول والطعمية على عربة الفول في الشارع، فقد أوضح أنه كان يأكلهما بوصفه مواطنا مصريا وليس كأستاذ جامعة، وهو ما فشل في إثباته بأدلة مقنعة، وبعد أن عجزت محكمة الأسرة عن التوفيق بينهما أحالت الأمر إلى القضاء. إلى هنا انتهت المعطيات المنشورة عن الواقعة ويبدأ دوري كمحلل اجتماعي ونفسي وسياسي له خبرة طويلة في الوقوف أمام عربات الفول وبقية الأطعمة الشعبية في كل أحياء وشوارع المدن التي عشت فيها على طول وادي النيل وعرضه.

لنترك الزوجة والزوج والمحامين يمزق بعضهم بعضا أمام المحاكم، ولنحاول نحن بالحدس والخيال أن نكتشف الحقيقة وراء هذه الواقعة. مرة أخرى أنبه القارئ الكريم إلى أن الجزء التالي في مقالي يستند إلى الخيال فقط حتى لو بدا أن له قوة الواقع، ومن أجل ذلك لا بد من إثبات بعض الملاحظات. لقد فوجئت حقا بأن الزوجة تفخر بأصولها التركية، وهو ما كان شائعا في مصر منذ أكثر من سبعين عاما قبل أن تبدأ عصور تمجيد العمال والفلاحين مع مجيء الثورة المصرية، التي توجت هذا التمجيد بدخولهما مجلس الشعب بنسبة 50%، فهل لعودة هذه النغمة عند أستاذة جامعيين صلة بإحياء الدور التركي في المنطقة العربية؟

أما حكاية أن الزوج يقف أمام عربة الفول بوصفه مواطنا وليس أستاذا في الجامعة فهو قول غريب يدل بالفعل على أن الأستاذ يحس بالذنب ويشعر بالخجل مما يفعله، وهو أيضا ما سيعجز عن إثباته أمام المحكمة حتى لو استشهد بأنه لا يرتدي الروب الجامعي أمام عربة الفول. أما حكاية أنه يحب زوجته ويقوم بأداء واجباته الزوجية والأسرية فلست أصدق منها حرفا واحدا، لا أتصور أن يحب شخص، حتى لو كان أستاذا في الجامعة، أنثى تبهدله في قاعات وأروقة المحاكم. هناك عنصر غامض في الحكاية علينا أن نصل إليه وأن نكشفه.

عند نظر القضية في محكمة أول درجة، أبرز محامي الزوجة مستندا خطيرا وهو يبدأ مرافعته: «لكي أوضح لكم يا حضرات القضاة مدى الكارثة التي تعانيها موكلتي من رائحة الفول والزيت الحار والبصل الأخضر التي يتناولها الزوج كل صباح، فإنني أتقدم بهذا المستند الذي يثبت أنه في كل مرة يدخل فيها قاعة المحاضرات يغمى على عدد من الطلبة بسبب هذه الروائح المنبعثة من فمه وبقية فتحات ومسام جلده، وهذه شهادة من مستشفى الطلبة القريبة من الجامعة موقعة ومختومة من كبار الإخصائيين في المستشفى تثبت ذلك. لقد استدعاه عميد الكلية عدة مرات للتنبيه عليه بأن يكتفي في الإفطار بكوب شاي بالحليب وقطعة جبن شيدر أو فلمنك، كما أخذ عليه تعهدا بذلك، غير أنه لم يفِ بتعهده.. لست قاسيا إلى الدرجة التي أطلب فيها منه عدم تناول الفول وملحقاته على عربة الفول، ولكن على الأقل أن ينظف فمه بالديتول أو الفنيك حرصا على طلبة الجامعة الذين هم في النهاية من سيصنع مستقبل مصر.. لماذا لا يضحي هذا الرجل بحبه لفول العربات لكي يثبت ويؤكد حبه لمصر؟.. ليس الطلبة وحدهم هم من أصيب بالإغماء، بعض الأساتذة المشرفين على رسالته، هم أيضا فقدوا الوعي عندما كان يناقشهم في خطوات إعداد الرسالة، وهذه هي شهادات موقعة ومختومة منهم تؤكد ذلك».

وبعد مرافعة طويلة خيل إلي بعدها أن القاضي سيحيل أوراق صاحبنا إلى المفتي، وقف محامي الزوج وقال: «نعم.. أعترف أن عددا من الطلبة في الكلية التي يعمل فيها الأستاذ أغمي عليهم في بعض المحاضرات لسبب مختلف عما قاله زميلي، هم مصابون بالأنيميا وفقر الدم، واتضح من الكشف عليهم في مستشفى الطلبة القريب أنهم لم يتناولوا طعام الإفطار وباتوا بغير وجبة العشاء، وهذا هو التقرير الطبي الذي يثبت ذلك، وهو موقع ومختوم من نفس الأطباء الذين استشهد بهم زميلي، بالإضافة إلى تقرير من الطبيب الشرعي الذي أثبت أن الروائح المنبعثة من فم موكلي أصابت الطلبة بحالة قوية من الإثارة سببت لهم حالة الإغماء. أما الأساتذة الذين فقدوا وعيهم عندما كانوا يناقشون موكلي، فلم يحدث ذلك بسبب أبخرة الفول والبصل الأخضر المنبعثة من فمه، إذ إن موكلي يستخدم بعد الإفطار نوعا من العلكة مستوردا من الخارج يعطي لأنفاسه رائحة الورد والياسمين. مشكلتهم يا سيدي القاضي هي العجز عن استيعاب أفكار موكلي الفلسفية، موكلي يقوم بتدريس الفلسفة، وهو مثل سقراط، يصرّ على أن الفلسفة بدأت في الأسواق والشوارع، وأن عليه أن يناقش الناس في المسلمات التي يعتنقونها ليبين لهم ما فيها من خطأ. هذا هو السبب الوحيد في إغمائهم، هم يهربون بفقدان الوعي من أفكاره عندما يعجزون عن الرد عليها، وهذا هو أيضا السبب في تعطيله وتأخره في الحصول على درجة الأستاذية، أما حكاية عربة الفول يا سيدي فهي مجرد مكان أشبه بنادٍ أدبي تعقد فيه ندوة ثقافية كل صباح..».

قال ذلك وأخرج جهاز لابتوب صغيرا وأخذ يعرض صورا فوتوغرافية على شاشة صغيرة ثم واصل: «هؤلاء هم أصدقاؤه زبائن عربة الفول، أعضاء الندوة الصباحية، هذا هو فلان الفلاني الكاتب المسرحي الذي يعاقبونه بعدم عرض مسرحياته، وهذا هو المفكر الكبير فلان العاجز عن نشر كتبه، وهذا هو فلان الشاعر الغنائي العظيم الذي قضى عليه ظهور شعبولا.. هم جميعا يدفعون جنيهين فقط ليتناولوا أشهى إفطار على وجه الأرض، هل نحرمهم من ذلك؟ أما صاحب العربة نفسه فهو مفاجأة سأعلن عنها بعد قليل.. إنني أطالب برفض دعوى الزوجة، وأطالب الدولة أن تعطي موكلي جائزة الدولة فرع الالتحام بالجماهير.. والسلام عليكم ورحمة الله».

وهنا طلب القاضي من الزوج والزوجة أن يقتربا من المنصة وسأل الزوجة: «لماذا تطلبين الطلاق ولا تطلبين الخلع؟.. من الواضح أنك لا تكنّين حبا أو احتراما لزوجك.. وتشعرين بأنه من طينة أقل.. فلماذا لا تطلبين الخلع الذي يتم عادة في ستة أشهر فقط، بينما دعوى الطلاق ربما تستغرق أعواما وأعواما في المحاكم، وفي النهاية أنت لا تقدمين أسبابا مقنعة لذلك.. لماذا؟».

سكتت الزوجة وقد امتقع وجهها، فواصل القاضي: «أنت تطلبين الطلاق لكي تحصلي على النفقة ومؤخر الصداق والشقة.. أنت ببساطة تريدين طرد هذا الرجل إلى الشارع، أليس كذلك..؟».

قال ذلك ثم وجّه حديثه إلى محامي الزوج: «قلت لنا إنك ستقدم مفاجأة عن صاحب عربة الفول.. ترى ما هي..؟».

وهنا أخرج المحامي صورة فوتوغرافية وضعها في جهاز الكومبيوتر المحمول فظهرت صورة الرجل على الشاشة، وهنا سقطت الزوجة مغشيا عليها، لقد كانت الصورة للدكتور محمد أحمد محمد أستاذ الجامعة، الذي أشرف على رسالة الدكتوراه الخاصة بها، لقد خرج إلى المعاش منذ أعوام بمعاش ضئيل للغاية فقام بعمل هذا المشروع، ولأول مرة في حياته يتمتع بدخل محترم نقله على الفور إلى طائفة المستورين.. سيارة غالية.. فيللا في ضاحية من ضواحي القاهرة، وشاليه في الساحل الشمالي، وزوجة جديدة شابة تنتمي إلى أسرة شهيرة تخصصت في الفول منذ عدة قرون، والزوجة هي المسؤولة عن تدميس قِدرة الفول كل مساء.

وفي حوار مع الفضائيات التي هجمت عليه في نفس الليلة قال: «كل عمل على وجه الأرض شريف.. وبعد أن ضيعت عمري في تدريس اللاشيء لبشر عاجزين عن صنع أي شيء.. أستطيع أن أقول لكم إن الحياة تبدأ في سن السبعين بشرط أن تكون زوجتك في الثلاثين.. وأن تكون جميلة وجدعة وتحبك وتحترمك، وعلى فكرة يوجد مثقفون كثيرون في أسرة زوجتي.. على الأقل منهم ذلك الشاعر العظيم صاحب القصيدة التي تبدأ بذلك البيت الشهير: إن خلص الفول، أنا مش مسؤول».