وسيلة أفضل!

TT

«لا بدّ ان تكون هناك وسيلة افضل لاجتذاب الاصدقاء والتأثير في الدول، من الانسحاب من المؤتمرات، او نقض المعاهدات (كيوتو) او الجلوس على ايدينا فيما الشرق الاوسط يشتعل. ان ادارة بوش تبدو غير قادرة او غير عازمة على ان تؤكد للعالم ان في امكانها العثور على تلك الوسيلة». هذه الاسطر الموضوعة بين اهلة، ليست لكاتب عربي لا يرى من ادارة بوش سوى وفد اميركي ينسحب من مؤتمر ديربان احتجاجاً على اتهام الصهيونية بالعنصرية، ولا هي لكاتب اوروبي يرى ادارة بوش ترمي الى سلة القمامة بمعاهدة وقعها اسلافه حول البيئة العالمية، ولا هي لمراقب محايد يرى الشرق الاوسط يحترق، فيما جورج والتر بوش يمضي اجازة اخرى في التكساس.

انه مقدمة مقال ظهر امس في «الواشنطن بوست» لاحد ابرز المعلقين الاميركيين، جيم هوغلاند. وقد نشر في اليوم الذي نشرت فيه تصريحات رجل هادئ في الدبلوماسية العربية، قليل الكلام، قليل الاحاديث، قليل الزيارات. لكن الامير سعود الفيصل كان يقول امس، في القاهرة ودمشق وبيروت وعمان، ان الكيل قد طفح، وان على الولايات المتحدة ان تتحمل مسؤولياتها.

ولم تخرج السعودية فقط عن تقليدها في التعبير بل خرجت ايضاً الى دول الجبهة الشرقية بنفسها، في رسالة عاجلة ومهمة عاجلة. والامير سعود الفيصل يعرف تماماًَ ان الكلام الذي يوجهه الى اميركا يعني لديها غير ما يعنيه لديها كلام سواه. واميركا تعرف ان رسالة من القيادة السعودية الى دول الجبهة يحملها سعود الفيصل، هي غير بيان رسمي يصدر عن الخارجية السعودية. فالرياض لم ترد من الزيارة ان تبدي فقط تضامنها مع الدول الواقعة في نطاق ما اسماه سعود الفيصل «بالاخطار الجمة»، بل ارادت ان توضح ايضاً نفاد صبرها حيال هذا الموقف الاميركي الذي لا سابقة له منذ العام 1919، عندما اصبح وودرو ولسون اول رئيس في مؤتمر باريس للسلام، ويعلن منه مبدأ حرية تقرير المصير.

لكن جورج بوش الابن يأخذ اميركا الى التكساس ويتركها هناك. والمرة الوحيدة التي تحرك فيها طلب من الاسرائيليين الانسحاب من بيت جالا، وفي اليوم التالي كانوا ينسحبون، والصداقة الوحيدة التي يبدو انه حرص عليها حتى الآن هي صداقة ارييل شارون. وما عدا ذلك فإن التباعد مع الاوروبيين في اقصى حالاته، بما في ذلك بريطانيا والمانيا، والعلاقة الضمنية الخاصة مع الصين مجمدة، وتلك العلاقة التي اقامها كلنتون مع موسكو، بدأ يدب فيها الاهتراء. الصديق الوحيد هو ارييل شارون. ووزير خارجيته الافرواميركي لا يسافر حتى الى ديربان، اكراماً ايضاً لاسرائيل، او خصوصاً لاسرائيل. وواشنطن تتجاهل، في بلادة لا مثيل لها، مواقف ومشاعر الدول الصديقة في العالم العربي، من مصر الى الاردن، وتتجاهل بازدراء اكبر ذهاب الفلسطينيين اليها كخيار، وتتجاهل ان مثل هذه السياسة المفرطة في الاهمال والازدراء، تحرج اولئك الذين راهنوا على انها ستضع ثقلها من اجل حل عادل في الشرق الاوسط. فلننقل خاتمة مقال هوغلاند كما نقلنا مقدمته: «لقد خلق المستر بوش ومساعدوه في السياسة الخارجية شيئاً اسمه اميركا الغائبة في الشؤون الدولية. ويبدو انهم يتجاهلون المثل القائل ان الغائب خاسر الحجة».