الخوف المحتمل الوحيد

TT

لم تكشف باكستان عن امتلاكها القنبلة النووية إلا بعدما أتمت صنعها. ولم يعرف العالم أن الهند أصبحت قوة نووية إلا بعد زمن. ولم تفاخر الصين الماوية بالانضمام إلى النادي النووي إلا بعد تفجير القنبلة الأولى. لماذا؟ لأن الذي يعرف كيف يصنع قنبلة نووية، يعرف، قبل أي شيء، أنه لا يستطيع أن يستخدمها. جميع القوى النووية، سواء كانت في فوضى الحافة أو الشفير، مثل باكستان، أو كانت ذات ثبات ديمقراطي في الحكم مثل بريطانيا وفرنسا، جميعها تعرف أنه لا يمكن اللجوء إلى السلاح النووي إلا في حالة دمار شامل للكون. إذا ضربت باكستان الهند أو العكس، لن يبقى هناك باكستان ولا الهند. وربما لا آسيا برمتها، إذا تمكنت الهند من استخدام كل مخزونها النووي.

إيران تعرف كل ذلك، وهي الدولة الوحيدة التي تظاهرت بأنها تطلب القوة النووية، وهي ترفق أخبار التخصيب الموقوتة بتصريحات أو خطب من نوع إزالة إسرائيل من الوجود. لكن العالم الذي يرى السلاح الإيراني ويعرض صور الصواريخ العابرة حتى أوروبا، يعرف أن أي قوة نووية هي قوة إبادة مزدوجة، ويعرف أنه لا يمكن ضرب إسرائيل بقوة إبادية من دون تدمير أجزاء من لبنان وسورية وفلسطين. ومع ذلك يترك الإيراني، للغرب وللعرب معا، علامات وآثاراً، على أنه في سبيل امتلاك القوة النووية ذات يوم، وهو كلما شدد على سلمية الطاقة التي يطورها فعل ذلك بطريقة توحي أنه ليس سلميا ولا مسالما، بل هو يتحدث خطابيا عن الحروب، ويرفق ذلك بصور الصناعات العسكرية. وكلما نسي العالم ذلك، أو خطر له أن ينسى، أرسلت طهران صورة تجربة عسكرية جديدة.

إيران لا تريد القوة النووية بقدر ما تريد ثمنها. والدول تطلب الثمن عادة بعد إنجاز السلاح وعرضه على الطاولة، لكن طهران تريد الحصول على الثمن سلفا، وخلاصته أن تكون شريكة لأميركا والغرب في ما يملكان من نفوذ اقتصادي وسياسي، من أفغانستان إلى لبنان. وأما الحرب الكبرى نفسها، فالجميع يعرفون أنها لا تقع ولا تخاض. الخوف النووي المحتمل الوحيد هو أن تحصل منظمة إرهابية على رشة ذرية صغيرة تبيد فيها ملايين البشر في مكان ما. الدول لن تفعل ذلك، ليس خوفا من عدوها، بل حرصا على أهلها.