الانحطاط الوطني

TT

بلا حياء، ولأسباب شخصية أنانية تنحدر إلى مستوى الانحطاط الوطني، يحاول البعض ممن يُحسبون على الشريحة التي عانت الظلم، إحداث انسلاخ في صفوف القوى الليبرالية. خصوصا أولئك الذين اعتادوا القفز من شجرة إلى أخرى. وبما أن القوى الليبرالية قد حُرمت من ممارسة دورها المفترض، فينبغي أن لا تبقى متماسكة فقط، بل أن تزداد استقطابا قبل مرحلة الوصول الفعلي إلى السلطة.

لقد قال الشعب كلمته الفصل في رفض نهج فريق المالكي، ومرة أخرى أؤكد وجوب احترام إرادة شريحة كاملة عندما تكون شاملة مطلقة، مثل ما حدث. أما السياسيون الطارئون على الزمان والمكان من الخوارج الجدد الذين «لُفظوا»، فليفتشوا عن طرق نفعية أخرى تملأ أعينهم.

الطائفيون من فريق الحكم فقدوا توازنهم من قوة صدمة الرفض «المطلق» لهم في مناطق من بغداد وشمالها وغربها ومن تنامي الصوت الليبرالي جنوبا، فضاعفوا من صخب الحديث عن عودة البعثيين، غافلين عن أنهم يدفعون الطرف المستهدف إلى الرد عليهم بـ«نعم كنا بعثيين وافعلوا ما شئتم إن استطعتم».

الرد على التسلط والتشبث بالسلطة وأي محاولة للاضطهاد، حتى لو كان معنويا ينبغي أن يشمل التلويح بفتح الملفات والتحضير لها جديا وليس صوريا، فما نعرفه، وما يصل إلينا، يحتاج إلى جهد مركزي كبير للتدقيق فيه وتوثيقه وتحريكه لكي لا تضيع حقوق الضحايا والأبرياء. وهذا يتطلب أن تباشر القوى الليبرالية بفتح مركز رئيسي لحقوق الإنسان وفتح فروع له في المحافظات والمناطق التي تعرضت للقمع والظلم خلال السنوات الأربع الأخيرة. وإذا كانت الموارد المالية لا تسمح بذلك، فالمهجرون من ديارهم والأرامل والأيتام قادرون على تغطية النفقات.

قال لي أكثر من شخص مطّلع إن من مدينة الخالص الصغيرة وأطرافها تم تهجير نحو 4200 عائلة، وحُرق كثير من ديارها أو نُهبت أو تم الاستيلاء عليها! فبأمر مَن حدث هذا؟ أليس القائد العام مسؤولا عن نتائج العمليات والتحركات العسكرية وغيرها؟ والقصص المأساوية تدمي القلوب من الزركة شمال النجف، إلى محاولات تغيير الهوية في ما يوصف بحزام بغداد، إلى إجراءات القهر الاقتصادي في سامراء وغيرها. أما الحديث عن آلاف المختطفين والمغيبين قسرا والمعتقلين على غير وجه حق فلا حدود له.

وأنا هنا، أتلقى مزيدا من الاتصالات للتوسط والتشبث من قبل أشخاص يبحثون عن آباء وأبناء وإخوان اختطفوا من قِبل مَن يوصفون بعناصر السلطة، ودفع ذووهم عشرات آلاف الدولارات من أجل معرفة مصيرهم «فقط»، بلا نتيجة! وهذه مسؤولية تاريخية لمن يتصدون للمسؤولية، وأمانة في أعناقهم، وفي المقدمة منهم البرلمانيون الذين عليهم عدم الانغماس في المكاسب الشخصية.

هذا هو العراق، تنوع مرحلي أو غير مرحلي في التوجهات والأفكار والمشاعر، وحيث يكون السعي إلى توحيده وتحديثه مشروعا ومطلوبا، فليس من المنطق النحيب على أطلال أو التغني بحالات معينة. وصب جام الغضب على هذا وذاك نتيجة تصرفات ومواقف واجتهادات لا يؤدي إلى نتائج إيجابية بقدر ما يزيد من حالات الوهم ويعمّق الانقسام. ولا بد من السماحة في المواقف وعدم اجترار الماضي، إلا ما ينبغي التصرف به مقابل تصرفات لا يمكن عبورها.

المهم هو عزل المتشبثين بالسلطة، وضرورة التفاعل الإيجابي مع كل مبادرة طيبة من غيرهم. وعدم تضخيم تحميل الآخرين مسؤولية التنسيق مع هذا الطرف أو ذاك، فليست من مصلحة الخمينيين في إيران الإسراع في تشكيل حكومة عراقية، لأنهم يريدون إثارة الاضطراب لتسهيل ابتلاع العراق، ولا يريدون انسحاب القوات الأميركية - خلافا لادعاءاتهم - لكي لا تتفرغ أميركا لملفاتهم. خصوصا أن السياسيين الأميركيين الحاليين ليسوا قادرين على ما يبدو، على تشغيل عقولهم على اتجاهين معا. لذلك لا يقلقكم كثيرا مما ينسج هناك رغم الحساسية المفرطة المشروعة.

حتى ضمن قائمة المالكي يوجد من ينبغي التصرف معهم بحكمة ومودة وقبول، وما نقل عن السيد جعفر محمد باقر الصدر الحاصل على ثاني أعلى أصوات في القائمة، من أنه لن يكون عضوا في حزب الدعوة - المقصود جناح المالكي - لا بد أن يُفهم بإمعان، فهذا الشخص المطروح اسمه كأحد البدلاء، الذي ظهر بخطاب معتدل استغل جناح المالكي سجل والده الذي أُعدم عام 1979 ولم يحظَ باهتمامهم، رغم صعوبات الحياة المعيشية التي مر بها. والذين عملوا في مفاصل مهمة من الرئاسة يعرفون من كان سبّاقا في تفهُّم وضعه الحياتي.

ومن الأسماء المطروحة بديلا، سبق أن سأله الرئيس في الانتخابات الماضية بعد معارضة الكرد لتكليف الدكتور الجعفري: «لماذا لا ترشح أنت ونساندك؟» فرد عليه: «مام جلال أنا إيراني». مع شديد احترامي لكل الوطنيين والمعارضين الإيرانيين ونبذي للعنصرية.