جفاف!

TT

بعض الأحداث في مناطق العالم تمر مرور الكرام من دون أن تثير الاهتمام رغم أهميتها حتى تكشف فداحتها صورة تكون أبلغ من أي خبر مثل الصورة التي نشرت في «الشرق الأوسط» أمس في زاوية «أخبار في صور» لزيارة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون إلى بحر الأورال في أوزبسكتان الذي تحول تقريبا إلى صحراء في واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي تلم بما كان يعتبر رابع أكبر بحيرة طبيعية في العالم. وبالصدفة كانت هناك صورة أخرى لاجتماع 4 دول في منطقة جغرافية أخرى في آسيا في تايلاند للدول المتشاركة في نهر ميكونيغ لبحث انخفاض منسوب مياه النهر الذي يؤثر على الحياة الزراعية والبيئية في هذه الدول وهي أيضا مشكلة مياه.

وفي الحالتين، فإن النشاط البشري هو المسؤول عما يحدث، ففي الأول تفيد التقارير بأن سدود كازاخستان وتحويل المياه في روسيا لأنشطة زراعة القطن وراء نقص المياه في البحيرة التي تقلصت بنسبة 90%. وفي الحالة الثانية فإن المسؤولية تشير إلى الصين.

والصورتان جزء من صورة أكبر تهم منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية فيما يتعلق بمشكلة المياه في العالم، التي تزداد احتمالية أن تكون مصدر نزاعات معقدة في المستقبل نتيجة التغيرات المناخية، والزيادة السكانية، وبالتالي فإنها أحد المكونات الأساسية للسياسة الدولية وعلاقات الدول في القرن الحادي والعشرين.

وليست هناك منطقة في العالم معنية، أو تقريبا دخلت عصر حروب ونزاعات المياه مثل منطقة الشرق الأوسط، فالمشكلات تمتد من شط العرب الذي كان بالمناسبة أحد أسباب الحرب العراقية - الإيرانية، وتزداد ملوحته هذه الأيام بما أثر على إمدادات البصرة، إلى نهر الأردن وانخفاض منسوبه، والصراع على مورد المياه بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية من جهة، ومع سورية التي تعاني جفاف بعض مناطقها الزراعية من جهة أخرى، وحتى دولة مثل مصر تواجه مشكلات مستقبلية مع الزيادة السكانية، وتحركات بعض الدول المتشاركة في نهر النيل لتعديل اتفاقية الحصص.

الأرقام والإحصاءات تظهر حجم المشكلة، فبينما تشكل منطقة الشرق الأوسط وجوارها ما يعادل 5% من سكان العالم، فإنه لا يوجد لديها سوى أقل من واحد في المائة من موارد المياه العالمية، وارتفع عدد دول المنطقة التي تعاني ندرة المياه من 3 في 1955 إلى 11 في 1990، وستنضم إليها 7 أخرى بحلول 2025، بما يعنيه ذلك من انخفاض المتاح للفرد في استهلاك المياه مقارنة بما يحدث في مناطق أخرى في العالم، وأن المنطقة مرشحة بقوة لتكون مصدر نزاعات حول موارد المياه الشحيحة.

وقد خرج باحثون ومفكرون إستراتيجيون بتعبير حروب المياه في رسم سيناريوهات المستقبل وهو تعبير يخلق عنوانا جيدا ويجذب انتباه الناس، لكنه غير واقعي ، لأنه لا يوجد عمليا حل لمشكلات المياه في العصر الحديث سوى التعاون ومحاولة إيجاد حلول مشتركة مع الاستعانة بالتكنولوجيا، وهو أمر ممكن وأرخص بكثير من التفكير في حروب والانشغال بصراعات تهدر الطاقات والموارد.

والمشكلة ليست غائبة عن ذهن دول المنطقة، فهناك اجتماعات ومباحثات تجري على مستويات ثنائية أو ثلاثية ورباعية لدول متشاركة في موارد نهر مثلما يحدث بين سورية وتركيا والعراق والأردن ولبنان، أو بين مصر وشركائها من الدول الأفريقية، بينما تظل قضية، إلا أنه لم يحدث جهد جماعي لوضع تصور إقليمي مشترك حول الإطار الأوسع للمشكلة، وإمكانيات التعاون فيها. قد تكون هناك عقبات سياسية مثل انتظار حل نهائي للصراع العربي - الإسرائيلي تؤجل التفكير في ذلك، لكن عاجلا أم آجلا يجب التفكير في قمة للمياه بالمنطقة.