الخروج من أفغانستان عبر «خيام الشورى»

TT

إذا كان العسكريون الأميركيون على حق، فذلك هو طريق الخروج من أفغانستان: عشرات من مزارعي البشتون يجلسون على الأرض في ظل خيمة مؤقتة. فبعد مرور 45 يوما على اجتياح قوات المارينز والقوات الأفغانية لمعقل حركة طالبان، اجتمع زعماء المدينة لعقد مجلس شورى، عرض خلاله أحد القادة القبليين، يدعى حجي عبد السلام، قائمة طويلة من المظالم: المدارس، العيادات، الطرق، المال اللازم للاستبدال بزراعة الأفيون التي تكسو الحقول هناك، فيما قدم حاكم إحدى المقاطعات الأفغانية، غلاب منغال، وعودا واسعة بالمساعدة، وفي الخلفية، يلوح أن الجيش الأميركي والمسؤولين المدنيين سوف يدفعون الثمن.

وهذه هي الطريقة التي تنتهي بها النزاعات في أفغانستان: فالأفغان يناقشون المظالم ويصلون في نهاية الأمر إلى صفقة. فالمال يتم الحصول عليه والشرف يسترد. وعلى الرغم من أن القتال دائر على نحو دائم في الخلفية، فما إن يعود معظم الناس إلى منازلهم حتى يبدأ النزاع التالي. يقول الأدميرال مايك مولين رئيس هيئة الأركان، وأحد المراقبين المتحمسين لمجالس الشورى في أفغانستان: «وفقا للمظاهر الخارجية، يرغب أهل مارجا في استئناف حياتهم». ثم أكد لجمهور من الصحافيين الأفغان لاحقا في كابل: «جميعنا نريد أن نشهد نهاية هذه الحرب في أسرع وقت ممكن».

وكانت النسخة الوطنية من تلك العملية قد بدأت للتو، وقد وضع الخطوط الرئيسية لها، غرامي لامب، الجنرال البريطاني المتقاعد الذي ينسق عملية المصالحة والتكامل عن التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة. وقد استشهد بأحد مبادئ الاستراتيجية العسكرية كي يفسر مهمته: «إن هدف الحرب هو تحقيق السلام العادل».

ويقول لامب إن الإشارات الأولى للطريقة التي سوف تنتهي بها هذه الحرب يمكن رصدها في مجموعة فضفاضة ومبهمة من الإشارات التي يصدرها الأطراف المختلفون لذلك الصراع، والدول المجاورة مثل باكستان، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وهو يصف ذلك الحوار الناشئ بـ«بوتقة الصهر» للقبائل، والأمم والمصالح المختلفة.

ومن جهة أخرى، يقول لامب إنه ما زال لا يستطيع الحديث حول شروط المفاوضات، مؤكدا في الوقت نفسه أهمية تلك القضية بالنسبة للأفغان. «نحن لسنا في مرحلة التفاوض، بل إننا في مرحلة محاولة الفهم».

وبالفعل، بدأت المناورات حول كيفية إدارة أفغانستان بعد انتهاء القتال ومغادرة الأميركيين. فقد بدأ الرئيس حامد كرزاي مباحثات مع الحلف الموالي لحركة طالبان الذي يرأسه قلب الدين حكمتيار، كما يحاول الباكستانيون الحصول على تأييد «شبكة حقاني» لكي يجدوا لهم مكانا على طاولة المفاوضات. كما تتوق الدول المجاورة - إيران والهند والصين - للمشاركة كذلك.

وسوف تتلقى تلك العملية العشوائية صدمة جديدة خلال الشهر المقبل عندما يعقد كرزاي مجلس «الجركة» للسلام لمناقشة كيفية توسيع الدائرة السياسية بطريقة ربما تسمح بمشاركة طالبان. وعلى الرغم من انتصار القوات الأميركية في بعض المعارك الأخيرة، مثلما حدث في مارجا، فيجب ألا تطغى تلك النجاحات العسكرية على التحديات الحقيقية؛ أي انتقال السلطة الغائم إلى السلطة الأفغانية. ولكي تجد طريقها للخروج، يجب على الولايات المتحدة بناء القوات الأمنية الأفغانية وهياكل للحوكمة تستطيع الصمود بعد مغادرة الأميركيين في يوليو (تموز) 2011.

ولسوء الحظ، لا يوجد دليل حتى الآن على أن ذلك الانتقال سوف يتم في الميعاد المحدد له. فكما هو الحال بالنسبة للوقت الراهن، لا يستطيع أي من الجيش أو الحكومة الأفغانيين إتمام المهمة، كما تهيمن رؤية غير واقعية على بعض برامج التدريب والحوكمة الأميركية.

وأخذا في الاعتبار ضعف الحكومة المركزية في كابول، يعمل القادة الأميركيون على تنظيم التعاون بين القوة الأميركية وأكثر الهياكل السياسية بدائية؛ وهي مجالس الشورى القبلية. فيقول الأدميرال جريجوري سميث، المتحدث الرسمي الرئيسي باسم الجيش الأميركي: «على المستوى الثقافي، فإن هذه البلاد تسير في الطريق الصحيح، حيث يمكن لاجتماع الناس معا حل أي نوع من المشكلات».

ويحاجج أحد القادة الأميركيين بأن العامل الأساسي في مساعي المصالحة الآن هو الاستمرار في سحق العدو وتجنب التفاوض المبكر. فيقول: «إن أسوأ شيء يمكن أن يفعله أي أحد هو أن يضع الحدود النهائية للتفاوض على الطاولة. فيجب أن تضع شيئا ما لتتفاوض حوله حتى تحصل في النهاية على صفقة جيدة».

وقد أثار كرزاي الرعب أخيرا بين الأميركيين بخطابه المستقل الجريء ودعوته الرئيس محمد أحمدي نجاد لزيارة كابول. ولكننا يجب ألا نخشى من تعبير أفغانستان عن سيادتها. ففي هذه المرحلة، سوف يتواصل كرزاي، دون شك، مع جميع جيرانه. وكلما أصبح أكثر ثقة، كانت مغادرة الولايات المتحدة لأفغانستان أسرع. ويحتج لامب بأن الخط الفاصل بين القتال والحوار ليس واضحا في بعض الأحيان كما يعتقد الغربيون: «فقد كان كلوزويتز محقا، ولكنه لم ينه عبارته: إذا كانت الحرب امتدادا للسياسات، فيجب العودة إلى السياسة».

*خدمة «واشنطن بوست»