ليسوا سواء!

TT

خبر صغير، لكنه في غاية الأهمية والرمزية والدلالة، ولكن مع شديد الأسف، لم ينل نصيبه من التغطية والاهتمام والمتابعة في الصحافة العربية. يقول الخبر إن صندوق التقاعد السويدي، متمثلا في صندوق «آي بي»، ألغى استثماراته في شركة أنظمة «البت» الإسرائيلية، وهي شركة تقوم بتصنيع أجهزة مراقبة وتجسس وتنصت على الجدار العنصري العازل، المشيد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي أقامته السلطات الإسرائيلية الموتورة للفصل بين الضفة الغربية وسائر الأراضي الفلسطينية بشكل استفزازي، استنكره المجتمع الدولي، واستمرت إسرائيل في بنائه دونما اكتراث. وقد أشارت السويد إلى أنها أقدمت على هذه الخطوة، لأن الصندوق له قواعد استثمارية أخلاقية صارمة، تمنعه من المشاركة في أعمال غير أخلاقية كهذه. ويبلغ حجم الأصول التي يديرها الصندوق ما يتجاوز المائة وعشرة بلايين دولار أميركي.

ويأتي القرار السويدي هذا بعد قرار الصندوق الأساسي لاستثمارات التقاعد النرويجي، الذي أقدم على الخطوة نفسها أيضا، بالخروج من الاستثمار في الشركة الإسرائيلية نفسها العام الماضي، مما أصاب الحكومة الإسرائيلية بالغضب، مضطرا إياها إلى أن تستدعي السفير النرويجي لديها، وتبدي له احتجاجها الشديد، أما هذه المرة فتعاملت الحكومة الإسرائيلية مع الخبر الذي جاءها من السويد بهدوء، وأصدرت بيانا توضح فيه أن القرار السويدي «يدعو للأسف».

وهذا الإجراء السويدي يأتي كفصل جديد من العلاقة المتوترة بين ستوكهولم وتل أبيب، فوزير الخارجية السويدي ألغى زيارة له لإسرائيل العام الماضي، بعد جدل دبلوماسي بين البلدين، بخصوص تقارير صحافية سويدية نشرت عن جنود إسرائيليين يشقون أجساد القتلى الفلسطينيين للحصول على أعضائهم لبيعها في سوق سوداء للأعضاء البشرية. كما أن لوزير الخارجية السويدي، كارل بيلدت، موقفا واضحا ومؤيدا من تقرير القاضي الجنوب أفريقي، ريتشارد غولدستون، عن جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل ضد الإنسانية خلال حربها المجنونة على قطاع غزة عام 2008.

الصندوق الاستثماري السويدي أوضح، في بيانه للعامة عن انسحابه من الشركة الإسرائيلية المثيرة للجدل، أنه ناقش مع الشركة محاذيره ومخاوفه، إلا أن هذه النقاشات لم تؤت النتيجة المأمولة.

الشيء المؤسف أن هذا الخبر لم يلق التجاوب ولا التغطية في الإعلام العربي، بعكس حوادث أقل أهمية تلقى المساحات والساعات من التجاوب الإعلامي الغريب وغير المفهوم. مع العلم بأن الصندوق الاستثماري السويدي هذا استثنى أيضا، عبر السنوات، عشر شركات إسرائيلية أخرى، تعمل في تصنيع الأسلحة والمتفجرات بشكل مباشر، وطبعا يأتي هذا كله بعد قرار الجمعية العامة للكنائس المسيحية الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية، التي اعتمدت سياسة استثمارية انتقائية، تسحب فيها الاستثمارات من إسرائيل بالتدريج، كاحتجاج على الممارسات البغيضة بحق الفلسطينيين، وتلقت الكنيسة سلسلة من الاحتجاجات والتهديدات والادعاءات بحقها من قبل المنظمات اليهودية الأصولية شديدة التطرف.

إسرائيل تتعرى أمام العالم، ويستمر تساقط غطائها الهش، ولكن من المهم البناء على ما يحدث بتكثيف الجهد البحثي والمعلوماتي والإعلامي لنشر ذلك كله. العالم يقرأ، وهناك من يرغب في المعرفة، ويرغب في أخذ موقف أخلاقي يمليه عليه الضمير والحق. ويبقى العمل بدلا من البكاء على اللبن المسكوب.

[email protected]