العالم مدرسة مشاغبين.. فمن يجرؤ على النظارة؟!

TT

الذي يقرأ إجابات القاضي أنطونيو كاسيزي - رئيس المحكمة ذات الطابع الدولي المكلفة النظر في قضية اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري والجرائم ذات الصلة - عبر الحوار الذي أجري معه مؤخرا يستغرب شعار التفاؤل المفرط الذي رفعه كاسيزي، رغم أن هذه المحكمة الدولية قد تكون الأصعب والأكثر تعقيدا في التاريخ الحديث، فالرجل يقر علانية أن ليس ثمة دولة صادقت على اتفاق التعاون الشامل الذي أعدته المحكمة، وكيف اضطرت - أي المحكمة - إلى اللجوء إلى صيغة تعاون براغماتي، اقتصر على الرسائل المتبادلة مع بعض الدول، التي تتعهد فيها بالتعاون، باعتباره مجموعة من المبادئ، وليس اتفاقا ملزما، مبررا ذلك بأن المحكمة ليست لديها سلطة إرغام الدول على التعاون، كما ليست لديها أدواتها الخاصة كالشرطة، وفي هذه الظروف فإن السبيل الوحيدة هي الإقناع عبر الطرق الدبلوماسية.

عند هذا الحد يمكن أن يتفهم المرء الاكتفاء بصيغة التعاون البراغماتي بين المحكمة وبعض الدول في هذه المرحلة، ولكن ماذا يمكن أن يحدث لاحقا إذا ما فرغ المدعي العام دانيال بلمار من قراره الاتهامي؟ وما هي الآليات التي تمتلكها المحكمة إن امتنعت دولة أو أكثر عن تسليم مطلوبين شملهم قرار الاتهام؟ وكيف يمكن للمحكمة إقناع البعض ببراءتها من تهمة التسييس التي تلاحقها؟

المتأمل للساحة الدولية اليوم، وأولويات الدول الكبرى، وانشغالات بعضها بمحاولة إغلاق ملفاتها في العراق وأفغانستان وغيرهما يمكنه أن يتنبأ بحجم الصعوبات التي ستواجه هذه المحكمة من الناحية التنفيذية، ومن ناحية استمرار تدفق الدعم المالي، أمام ارتفاع كلفة هذا النوع من المحاكم، وكان مسؤولوها قد صرحوا قبل ذلك بأن المحكمة قد تصبح عاجزة إذا لم تقدم لها الدول الدعم المطلوب.

هذه المحكمة تأتي في زمن توشك فيه دول العالم أن تنكفئ على ذاتها، ولم يعد لعب دور شرطي العالم يغري أحدا للقيام به بعد اكتشاف أثمان هذه المهمة، وتعقيداتها، وصعوبة الخروج من ورطاتها، فالعالم تحول إلى «مدرسة مشاغبين»، وعليه من يجرؤ على الجلوس في كرسي النظارة؟

[email protected]