كلا.. لم تفشل القمة العربية

TT

ككل القمم العربية، انقسم المقيمون لمقرراتها إلى فريقين: فريق معرب عن خيبته، وفريق معترف بأن هذه المقررات هي أفضل ما يمكن للدول العربية الاتفاق عليه، بالنسبة لواقعها والظروف الدولية والإقليمية الراهنة. وكلا الفريقين على حق. فالشعوب العربية المتململة في أوضاعها والمتألمة مما هو حاصل في فلسطين، تتمنى من حكامها الإقدام على خطوات أكثر جرأة وأوفر فعالية لدعم الشعب الفلسطيني، ولكن هل تستطيع الحكومات العربية تخطي النزاعات والخلافات القائمة بينها بسهولة؟ هل يجوز لها الإقدام على مغامرات عسكرية أو اقتصادية غير مدروسة وغير مقبولة من المجتمع الدولي؟

منذ أن كانت جامعة الدول العربية تضم سبعة أعضاء (1946) إلى أن أصبح عدد أعضائها اثنين وعشرين، مرت العلاقات بين الدول الأعضاء، ومعها القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، والعلاقات العربية - الدولية، بأكثر من مرحلة وأزمة وحروب ساخنة وباردة. وكلما كانت تحل نكبة أو هزيمة، كانت ردة الفعل، عموما، إما سلبية أو ارتجالية. باستثناء مرتين أو ثلاث، (حظر النفط عام 1973، الدفاع المشترك عام 1964، مثلا). خسرنا حرب 1948، فحملنا جامعة الدول العربية المسؤولية ورفعنا شعار الثورة والوحدة العربية. وخسرنا حرب 1967، فرفعنا شعار المقاومة الفلسطينية المسلحة والاشتراكية. وخرجت المقاومة من لبنان عام 1982 وتراجعت المقولات اليسارية لتحل محلها الشعارات الدينية. ومع كل نكسة وشعارات مصيرية جديدة كانت تنشأ خلافات جديدة بين الدول والأنظمة العربية، إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم. وهي ليست سيئة بالقدر الذي يندد به بعض الغلاة، ولا ملبية لأماني الشعوب، وهي عادة، ضخمة.

إن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال القضية المحورية التي لا تشذ أي دولة عربية أو إسلامية عن دعمها، وإن تفاوتت درجات الدعم وتنوعت أشكاله. ولم تذهب جهود الدول العربية والشعب الفلسطيني سدى، كما يظن أو يقول البعض، بل إن المجتمع الدولي بأسره بات اليوم يعترف بحق الفلسطينيين في وطن ودولة، وفي المقدمة الدول الكبرى والولايات المتحدة خاصة، ولم يكن هذا واردا منذ سنوات. فهل يفوت العرب والفلسطينيون على أنفسهم هذه الفرصة الدولية السانحة بسلوك الطريق الذي يدل عليه المتطرفون العقائديون، المعلن الحرب على الولايات المتحدة والغرب باعتبارهما حلفاء لإسرائيل؟ أم يسلكوا الطريق الذي رسمت معالمه مقررات القمة العربية؟ وهو طريق لا يحول دون تقديم المساعدات والدعم المالي والاقتصادي للشعب الفلسطيني، ولا ينفي استمرار مقاومة إسرائيل ومشاريعها التوسعية، ولكن بأسلوب لا ينفر الرأي العام الدولي.

ثم إنه لا بأس في أن يكون هناك موقفان عربيان مختلفان بالنسبة للصراع ضد إسرائيل. أحدهما راديكالي عقائدي متشدد والآخر واقعي سياسي لين. شرط أن لا يتحول الاختلاف إلى نزاعات وحروب فلسطينية – فلسطينية، وعربية - عربية، وإسلامية - عربية. كما حصل في غزة، أو ما هو حاصل في أكثر من دولة عربية. ولنتعلم من إسرائيل كيف نطوي الخلافات الحزبية أمام المصلحة العليا، كيف نسخر خلافات الرأي في خدمة الأمة.

كلا، لم تفشل القمة العربية الأخيرة، وإن كانت لم تلب كل ما تؤمل الشعوب العربية وتتمنى. ولن يفيد أي تعديل في نظام جامعة الدول العربية أو أي «اتحاد»، في تفعيل العمل العربي المشترك أو تحويل الجامعة إلى «سوبر – حكومة» عربية. فالواقع السياسي - الاجتماعي - الحضاري العربي هو على ما هو عليه. وقياسا بما كان عليه في الأربعينات أو الستينات، لا بد من الاعتراف بأنه تقدم كثيرا وفي كل الميادين. إلا أنه من الصعب أن يطلب من هذه الشعوب الممتدة من المحيط إلى الخليج، ومن الأنظمة التي تحكمها، الإقدام على ما لا تستطيع تأديته وتحمل عواقب الفشل فيه. فالعرب والمسلمون هم جزء من العالم وليسوا مستقلين عنه اقتصاديا وسياسيا، ولا منفصلين عنه مصيريا، ولا محكومين بمعاداة شعوبه ودوله.

وعلى الرغم من كل شيء، لا تزال القضية الفلسطينية تشكل الجامع المشترك للعرب شعوبا وحكومات. وهي اليوم أقرب إلى تحقيق ما يصبو إليه الشعب الفلسطيني، من أي يوم مضى.