يا داخل بين البصلة وقشرتها

TT

هل سبق لك يا عزيزتي أو يا عزيزي القارئ أن سرقت شيئا من أي متجر؟!

أنا سبق لي أن فعلت هذا - أي سرقت - ولكنها سرقة غير مباشرة لا يعاقب عليها القانون، ولا يطبق فيها حد السرقة من حسن الحظ، وإلا أصبحت الآن (أكتع) لا أكتب لكم إلا بيدي اليسرى.

وسرقتي تلك فيها الشيء الكثير من الغشامة أو العباطة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنني لص غير محترف ولا أعرف كيف ومن أين تؤكل الكتف!!

لا أريد أن أحدثكم عن ملابساتها لكي لا تأخذوها عليّ وتعتبروني من أصحاب السوابق، ولكنني أطمئنكم أنها مرّت ولله الحمد على خير، وانسللت منها مثلما تنسل الشعرة من العجين، ومن يومها إلى الآن لم تنازعني نفسي للسرقة أكثر من ثلاث أو أربع مرّات في السنة.

وهذا المرض - أي مرض السرقة (الشريفة) إن جاز التعبير - يبتلى به بعض الناس، بمن فيهم الأغنياء، بل إن أحد الملوك من العالم الثالث كانت هوايته المفضلة هي السرقة، إلى درجة أن أصحابه وأعوانه يعرفون ذلك، وعندما يدعونه إلى منازلهم كانوا يغضّون الطرف عنه، وهو لا يتورع عن سرقة أتفه الأشياء التي أمامه سواء كانت (طفاية) سجائر أو ولاعة أو حتى منشفة غسيل، ويخرج من المنزل مزهوّا وقد امتلأت جيوبه بما خف حمله ورخصت قيمته، ولكي لا يفهمني أحد غلطا، فذلك الملك ليس عربيا، وقد انتقل إلى دار الآخرة قبل عدّة عقود، وحسابه على الله.

أعود لهذا الموضوع المحبب إلى نفسي وأقول لكم: هل تعلمون أن السرقات في متاجر الأطعمة وحدها قد بلغت في العام الماضي في أوروبا أكثر من 2600 مليون يورو، وأن الخسائر في أميركا من جراء ذلك زادت على خمسة مليارات دولار، وأن ما تدفعه المتاجر والمؤسسات للحراسة يفوق ذلك الرقم بعدة أضعاف، وأن أكثر المستفيدين من تلك السرقات هم اللصوص ومن بعدهم المحامون؟!

ولكي تحد المتاجر من سرقات موظفيها ابتكرت طريقة (اخدم نفسك بنفسك)، ولا شك أن هذه الطريقة قد قلّصت عدد الموظفين، ولكنها بعد الإحصائيات ثبت أن الخسائر قد زادت من جراء سرقات الزبائن، رغم وسائل الرصد التكنولوجية المتقدمة، فالفرصة مثلما يقولون هي التي تخلق اللص.

ولقد تورّطت في يوم من الأيام عندما دسست وحشرت أنفي في ما لا يعنيني، وذلك عندما شاهدت أُمّا ومعها طفلها الصغير وسمحت هي له أن يأخذ بعض الحلويات التي على الرفوف ويزدردها ثم يملأ جيبه ببعض (البنبونات)، وكانت هي تدفع عربتها الممتلئة بالمشتريات وكأن شيئا لم يكن، في الوقت الذي كنت فيه أقف خلفها مباشرة أنتظر دوري، وما أن حاسبت وكادت أن تخرج حتى أبت شهامتي وأمانتي و(لقافتي) إلا أن ألفت نظرها ونظر المحاسب على (الكاشير) إلى أنها لم تدفع ثمن ما أكله أو أخذه طفلها من الحلويات، ويا ليتني لم أفعل ذلك، بل يا ليت أحدا (سطرني كف) وقال لي: اخرس.

لأن تلك المرأة (المعلّمة) تركت كل شيء بعدها ثم التفتت نحوي وأخذت (تردح) لي بكل مفردات الشتائم التي لا تحبها قلوبكم، بل إن طفلها دخل في المعركة أيضا ولم يوفّر سيقاني من الركل، والغريب أن كل من كان واقفا حولنا تعاطف معها، وأصبحت في نظر الجميع وكأنني أنا المدان والظالم وقليل الأدب.

عندها تذكرت المثل القائل: يا داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك غير ريحتها.

والبصلة هي تلك الأم السليطة اللسان، وقشرتها هو طفلها الملعون الذي لا أستبعد أنه كان يلبس حذاء من حديد، لأنني ما أن ذهبت إلى سيارتي وكشفت عن ساقيّ حتى وجدت الدم يسيل منهما، عندها مسحته وأنا أقول: تستاهل، تستااااااهل، وأكثر.

[email protected]