عبيط: كل من أحب!

TT

قال شاعرنا العظيم شوقي:
قد يهون العمر إلا ساعة

وتهون الأرض إلا موضعا

آه يا رجل يا عظيم أوجعت قلبي. وصدعتني؛ أي جعلتني نصفين. نصف يبكي على نصف. كان ذلك من ثلاثين عاما. وفى جزيرة صغيرة.. لا داعي لذكر اسمها. فاسم الجزيرة هي اسم فتاتي.. والجزيرة والله مثلها.. أو هي مثل الجزيرة. الماء الأزرق والخضرة والهدوء والليل المضيء في عينيها والنهار الجميل في ملامحها.. وأشياء أخرى لم تسعفني ذاكرتي ولا لغتي لكي أصفها. فاللغة كلها كانت لها دلالات مادية.. ثم حولناها إلى معان لطيفة شفافة أخيرا جدا. كتبت. وقلت. وكتبت. ولم أقل. ولكن لم أقل ماذا؟ والله لا أعرف.. عبيط أنا؟ في أحيان كثيرة أبدو كذلك. وكثيرا ما ساءلت نفسي: ما الذي في أصابعها.. وهل صحيح أنها شفافة.. ما الذي في عينيها هل صحيح أنها المحيط الهادئ والأطلسي والهندي.. ما الذي في شعرها.. خيوط القمر والنجوم البعيدة.. وإذا وقفت وإذا جلست وإذا نامت وإذا نهضت من نومها.. وإذا وإذا..

جلست تحت شجرة جوز هند. ونظرت فوق فوجدت قردا. مصيبة. لو ألقى واحدة فوق دماغي فيقتلني كالشاعر الإغريقي الذي ألقى أحد النسور سلحفاة فوق دماغه فمات فورا. فأمسكت جوز الهند ورحت أضرب بها القرد حتى هرب..

وجاءت جميلة الجميلات وتسلقت الشجرة وجلست في مكان القرد.. وانتظرت المعجزة.. أن تنحني كل فروع الشجرة وتصنع بساطا تحت قدميها.. معجزة! ليس ذلك على الله ببعيد.. ولكن كيف أتوهم أنه من أجلي تتعطل القوانين التي أودعها الله في الأشياء.. عبيط؟ نعم وستون عبيطا أيضا. هل أنا استثناء في قاعدة الحب. الجواب: لا.. فكل المحبين عبطاء.. لأنهم يصدقون أوهامهم. ولأنهم يتوهمون دون سائر خلق الله أنهم هم الذين أحبوا وتوهموا وقالوا: آه.. وأن أحدا غيرهم لم يفعل ذلك.. وأن حبهم هو الحقيقي الذي لا قبله ولا بعده..

كنت كذلك. ولا أزال مستعدا أن أكون نقيبا للعبطاء على كوكب الأرض والكواكب الأخرى!