مليارات الأفيون تتحكم في الحرب والسلام بأفغانستان

TT

بعد التوتر والاتهامات المتبادلة بين الرئيس الأفغاني حميد كرزاي وإدارة الرئيس باراك أوباما وممثلي الأمم المتحدة، وجه الرئيس أوباما دعوة إلى كرزاي لزيارة واشنطن في شهر مايو (أيار) المقبل، وبحث كل القضايا التي تختلف عليها الدولتان، وهذه ضرورة أميركية نظرا إلى وجود مائة ألف جندي أميركي في أفغانستان.

بقدر صعوبة هضم أفغانستان أميركيا، هناك تنافس إقليمي على هذه الدولة الأفقر والأكثر تعقيدا.

الهند، انطلاقا من منافستها لباكستان، مهتمة بأفغانستان، تدافع عن شخص حميد كرزاي (المتهم دوليا بالفساد والضعف) وتعتبره الوحيد القادر على جمع الأضداد المتصارعين في مصالحة وطنية، تهدف إليها واشنطن كوسيلة لتحقيق استراتيجية الخروج.

الهند تشجع دورا لإيران في أفغانستان، وترى أن طهران تميل إلى مساعدة كرزاي لأنها لا تريد أن تصل طالبان إلى الحكم، وترى الهند أن بإمكان إيران أن تلعب دورا إيجابيا هناك، لأن لها علاقات جيدة مع زعماء الحرب الأفغان، من غير طالبان، وتستطيع أن تضغط عليهم للعمل مع كرزاي.

ثم هناك باكستان التي تعتبر أفغانستان «عمقها الاستراتيجي»، لكن كما يبدو، فإن استراتيجيتها لم تعد تركز على انتصار لطالبان، كما كانت تعمل أجهزة الأمن الباكستانية، لأنه لم يعد من معنى لهذه الاستراتيجية الباكستانية بدعم الإسلاميين المتطرفين وإيصالهم إلى السلطة، في وقت تواجه قواتها موجة من الإرهاب المتطرف في المدن الباكستانية (آخرها انفجارات يوم الاثنين الماضي).

صحيح أن طالبان يبقون عربة باكستان لفرض نفوذها على أفغانستان، لكنها لا تريدهم أن يديروا الأمور هناك، لهذا بدأت إسلام آباد بتفتح قنوات اتصال مع مجموعات من غير البشتون، وتحاول إقناع واشنطن، عبر العلاقة الجيدة بين قائد الجيش الجنرال اشفق برويز قياني والمندوب الأميركي إلى أفغانستان وباكستان السفير ريتشارد هولبروك، بأن توفر لها فرصة تدريب الجيش الأفغاني الذي يسيطر عليه الطاجيك. ترى باكستان أنه مع دور لها في الجيش الأفغاني، إضافة إلى علاقتها مع طالبان البشتون أكبر قوة سياسية وعسكرية في البلاد، تظل تتمتع بموقع الأقوى بين الدول الإقليمية المتنافسة، وحتى لو ظل الموقع الجديد أقل مما تمتعت به إثر الانسحاب السوفياتي. لكن، مشكلات التنافس وتقاطعاتها تتضاءل أمام المشكلة الأكبر وهي المخدرات. إن إدارة أوباما عالقة الآن في دورات لا نهاية لها من إنتاج المخدرات والقتل، ولا يبدو أن هناك مخرجا سهلا من ذلك.

أولى الحملات العسكرية للتخلص «نهائيا» من «القاعدة»، كما قالت الإدارة، كانت في شهر شباط (فبراير) الماضي، وركزت على مدينة «مرجا» في مقاطعة هلمند. تعتبر مرجا عاصمة الهيروين في العالم وتنتج حقول هلمند المحيطة بها، 40 % من حاجة العالم للأفيون، ومعظم تجارة هذا الإنتاج تجري في مرجا. ولا يمكن بالتالي ربح الحرب من دون القضاء على إنتاج المخدرات في هلمند.

في الطائرة التي أقلت الرئيس أوباما إلى كابل قبل أسبوعين، في زيارته الخاطفة، أكد مستشاره للأمن القومي جيمس جونز للصحافيين المرافقين، أن الرئيس الأميركي سيحاول «إقناع» كرزاي بأن تكون من أولوياته في محاربة الفساد، محاربة مهربي المخدرات. وقال جونز: «إن تجارة المخدرات هي العصب الاقتصادي للمتمردين كلهم».

إن تجار المخدرات الأفغان، ومنذ ثلاثين عاما، خربوا كل نظام حاول فرض سيطرته على البلاد.

في الثمانينات وخلال حرب وكالة الـ«سي آي إي» السرية في أفغانستان، مولت تجارة الأفيون «المجاهدين» الذين كان الرئيس الأميركي رونالد ريغان يسميهم: «المقاتلين من أجل الحرية»، مع العلم أن الـ«سي آي إي» دفعت للاستخبارات الباكستانية ما يفوق 3 مليارات دولار، نال الجزء الأكبر منها قلب الدين حكمتيار (حزبي إسلامي) الذي يحاول كرزاي اليوم كسبه كأول منشق عن طالبان، وبالتالي ليشد البقية.

في نهاية التسعينات عندما تسلمت طالبان السلطة في كابل بعد طرد قوات أحمد شاه مسعود، لم يهتموا بنيل الاعتراف الدولي بهم، بل حموا واستفادوا من زراعة الأفيون، ومن السخرية أنهم فقدوا السلطة بعد أشهر قليلة من تطبيقهم قرار منع زراعة الأفيون. لكن، منذ التدخل العسكري الأميركي عام 2001، لملاحقة «القاعدة» وأسامة بن لادن، عاد وبقوة إنتاج الأفيون والمتاجرة به إلى درجة إفساد حكومة كابل، وتقوية عودة طالبان في عدة مقاطعات. (عجز طالبان عن تمديد سيطرتهم إلى شمال أفغانستان حيث الطاجيك وإلى المدن التي لا أكثرية للبشتون فيها).

عام 1979، كانت أفغانستان تنتج فقط 250 طنا من الأفيون، وأنتجت عام 2007 أكثر من 2800 طن، وخلال السنوات الخمس الماضية مثل مدخول أفغانستان من الأفيون 50% من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد، ووفر المكون الرئيسي لتسعين في المائة من حاجة العالم لمادة الهيروين. وفي السنوات الأخيرة، ساعدت زراعة الأفيون 500 ألف عائلة أفغانية، أي نحو 20% من تعداد السكان، كما مولت هجمات طالبان وتوسع نفوذهم.

إن زراعة هكتار واحد من بذور الخشخاش يحتاج إلى 9 أضعاف من العمال، لزراعة هكتار واحد من القمح، وعند حصاد الأفيون يتوفر عمل موسمي لمليون أفغاني، والتربة الأفغانية تنتج 3 إلى 5 أضعاف ما تنتجه التربة المنافسة لها في بورما. كما أن الأفيون يحتاج إلى نصف كمية المياه التي يحتاجها القمح لينمو. ويقول لي المحقق في هذا الحقل، الفرد ماكوي: «بعد أسابيع قليلة من انهيار نظام طالبان، لوحظ تدفق في زراعة الخشخاش في مقاطعتي هلمند ونغارهار». ما بين عامي 2003 و2007 صرفت واشنطن 22 مليار دولار على أفغانستان، لم يحصل القطاع الزراعي من هذا المبلغ إلا على 237 مليون دولار. وخلال السنة الأولى من الغزو الأميركي، أنتجت أفغانستان 3400 طن من الأفيون، وفي السنوات الخمس التالية، قدمت لها الدول المانحة من أجل إعادة البناء 8 مليارات دولار، بينما دخلها من تجارة الأفيون مبلغ 14 مليار دولار.

وفي تقرير للأمم المتحدة عام 2007، جاء «أن محصول الأفيون غطى 22 ألف هكتار في أفغانستان، أي أكبر من كل أراضي أميركا اللاتينية التي تُزرع فيها المخدرات، ومن إنتاج متواضع لا يتجاوز 185 طنا عام 2001، عندما أسقطت القوات الأميركية نظام طالبان، تنتج أفغانستان اليوم 8200 طن من الأفيون أي 93 % من حاجة العالم كله للهيروين». ولذلك يمكن تسمية أفغانستان «دولة المخدرات الأولى في العالم».

في مؤتمر حول المخدرات عقد في كابل الشهر الماضي، جاء في الورقة الروسية، أن قيمة محصول الأفيون الأفغاني الحالي تبلغ 65 مليار دولار، حصل المزارعون على 500 مليون دولار فقط، و400 مليون أخذتها طالبان، أما بقية المليارات فذهبت إلى «مافيا المخدرات» وأموال وفيرة لحكومة كرزاي التي، رسميا، مدخولها الإجمالي 10 مليارات دولار.

إن نفوذ الأفيون متفش لدى أغلب المسؤولين الأفغان، «ويستمتع» به زعماء القرى والقبائل، وقائد الشرطة، ووزير الدفاع، والأخ غير الشقيق للرئيس كرزاي، إضافة إلى زعماء طالبان. وقد اضطر مؤخرا الجنرال ستانلي ماكريستال إلى تحذير الرئيس الأفغاني، بأن أخاه صار هدفا أميركيا، بسبب تعاملاته المشبوهة، وتعاونه مع حركات التمرد. ويقول ماكلوي: «إن الأفغان المتورطين في تجارة الأفيون، مضطرون لتخصيص مبلغ 5.2 مليار دولار سنويا، لدفعه رشاوى».

الآن مع فصل الربيع، تذوب الثلوج، وتطل براعم بذور الأفيون، ويستعد مقاتلو طالبان وآخرون للتوجه إلى الحقول. والعام المقبل سيتكرر الأمر نفسه مع مجموعة جديدة من المراهقين الذين يصيرون في عمر الانضمام إلى طالبان. الحصاد سيبدأ بعد أشهر قليلة، وسيكون إنتاج أفغانستان من الأفيون أكثر من حاجة العالم هذا العام (5 آلاف طن)، ربما سيهبط سعر الأفيون لسنوات قليلة مقبلة، لكن أسعار القمح والحبوب الأخرى ستهبط بسرعة أكبر. وهكذا ستبقى زراعة الخشخاش الأكثر ربحا للمزارعين الأفغان، إلا إذا كان لدى الرئيس الأميركي مشروع آخر!