أهلا بـ«التركية»

TT

حظي إطلاق قناة «التركية» الذي حصل مؤخرا باهتمام واحتفاء إعلامي عربي لم تنله القنوات التي سبقتها في درب التوجه نحو مخاطبة العرب عبر إنشاء قنوات تتحدث لغتهم، كما حدث مع «روسيا اليوم» و«فرانس 24» و«العالم». حتى الاهتمام بإطلاق قناة «بي بي سي العربية» قبل أكثر من عامين يبدو باهتا قياسا بما تناله القناة الرسمية التركية التي يبدو أنها الأكثر تواضعا حتى الآن من حيث الإنتاج والتغطية مقارنة بمثيلاتها من القنوات الناطقة بالعربية.

الأكيد أن الحكومة التركية كانت تتوق لإطلاق هذه القناة، خصوصا في هذه المرحلة التي يبدو فيها العرب يتطلعون بانبهار فني وسياسي واقتصادي نحو تركيا، وهو ما دفع ربما برئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى أن يفتتح القناة بنفسه مسبغا عاطفة جياشة نحو العرب وتاريخهم وثقافتهم.

بالطبع من المبكر جدا الحديث عن تقييم للقناة لكن من الواضح أن «التركية» لا تشبه سلفها من الفضائيات، فهي ليست قناة إخبارية وهي محدودة الطاقم ولا تملك شبكة مراسلين واسعة، وهي قناة عامة ستزاوج ما بين الدراما والفن والأخبار والاقتصاد. خليط يسمح لها أن تعرض للعرب بفخر مواقف أردوغان اللاذعة ضد إسرائيل، كما تسمح لها بالمقابل عرض نجمها الدرامي المفضل لدى الجمهور العربي «مهند» عبر قناته الأم وليس عبر قنوات عربية أخرى، وبالتأكيد تحقيق مكاسب سياسية ومادية لن تكون متواضعة.

التعليقات الكثيرة التي رافقت الأخبار عن إطلاق قناة «التركية» في مواقع الصحف والمواقع الإخبارية التركية والعربية فيها الكثير من الاستعادات التاريخية. والإعجاب بالسياسة التركية وبالدبلوماسية التركية تصاعد إلى حد امتداح العثمانية وكأننا بخفة هائلة احترفنا امتهانها نشطب تاريخا بدا سهلا تجاوزه.

لا شك أن تركيا تقدم نموذجا ينبغي التطلع إليه في المزاوجة بين الديمقراطية بالمعنى الغربي والإسلام وهو ما لا تزال عموم الدول العربية عاجزة عنه، لكن كما يبدو الإعجاب ميلا طبيعيا وربما مرغوبا، فإن التهليل لإعادة انبعاث الدور التركي هو أكثر صخبا من التأمل الهادئ في المسافة التي على تركيا أن تقطعها قبل أن تستقر ديمقراطيتها والنموذج الذي تقدمه لنا.

حتما هناك حاجة لدور تركي يضفي دفعا ومعنى آخر في التوازنات الإقليمية الحاصلة، لكن إذا كنا نأمل من تركيا دورا في هذا الوقت الضائع من عمر المنطقة فهو أن تمارس حضورا وسياسة بصفتها دولة حديثة وليس انبعاثا لعثمانية جديدة.

في الأسبوع الماضي وبعد انفجارات أنفاق موسكو الانتحارية، لجأ عرب قليلا ما انتبهوا إلى وجود قناة «روسيا اليوم» العربية لمعرفة ما يجري في موسكو، لكن بحثهم انقلب خيبة. على المستوى الإعلامي تبدو التجربة الروسية مخيبة علما بأن موقع روسيا السياسي ليس بعيدا عن المزاج العربي الشعبوي.

التجربة الإعلامية التركية الجديدة يجب أن تراقب انطلاقا من حساسية من هذا النوع، فمن غير المسموح أن يعامل الفشل التركي إذا حصل انطلاقا من مسلمة انحيازنا لموقع تركيا السياسي، كما أن انحياز تركيا الجديد يجب أن لا يملي على إعلامها تعاميا عن مشكلات جوهرية تعانيها بلادنا.

diana@ asharqalawsat.com