نعم حزين جدا!

TT

ظهر أحد الزملاء الصحافيين الشبان وقال: إن أستاذي فلان. وهو الذي وضعني على المسار الصحيح. ولولاه لتأخر نموي عشرين عاما!

ونظرت إلى هذا الشاب فوجدت أن نموه تأخر عشرين عاما. وأنه إذا كان هذا هو التلميذ فالأستاذ أسوأ..

وهنا أدركت أن زمانا آخر غير زماننا هو الذي نعيش فيه. فلا هو صحافي ممتاز ولا أستاذه. ولكن ما دام هذا هو أستاذه. فهو ولا حاجة. ولكنه ليس وحده الذي ولا حاجة. فأستاذه لم يكن يقرأ إلا ما يكتبه، وإذا ذكرت الكتب فهو يتحدث عن المنفلوطي آخر الأدباء وأولهم. وقبله لا أدب في اللغة العربية ولا في أي لغة أخرى.. وهو بذلك لم يتجاوز المرحلة الابتدائية. ولكن هذا هو الأستاذ. وهذا هو التلميذ.. أما بقية كبار الكتاب. وهم الكبار حقا، فلا وجود لهم.. لا الآن ولا قبل ذلك. فالتاريخ قد توقف.. تجمد.. فقد أنفاسه. انتهى التاريخ.

إذن نحن في زمان آخر. له مثل عليا مختلفة في الصحافة وفي الأدب وفي السياسة والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والتسامح الفكري والديني.. يعني نحن في أسوأ وأحط مراحل التاريخ. وإن هذه مرحلة بدأت بقوة التفاهة وسوف تبقى تحت أسماء أخرى. والأمل بها ومعها وبعدها قليل. فإن لم يكن هذا هو الموت حقا، فهذه أعراضه. وليس لنا إلا حق واحد. هو أن نقف طابورا طويلا نتلقى العزاء في أنفسنا. نمد أيدينا إلى أيدينا ونقول: سعيكم مشكور وذنبكم غير مغفور. ومكانكم في التاريخ حقير..

ونظرت إلى العدد الكبير من هؤلاء الصغار فوجدتهم كثيرين.. ولما كنا في مجتمع ديمقراطي أو نتوهم ذلك، فهم الأغلبية والبقاء للأقوى. والأقوى هم الأغلبية أيا كان أساتذتها أو مدارسها.

والوضع هكذا: إذا كان الأساتذة في حاجة إلى أساتذة فإن الطلبة في حاجة إلى أن تغلق الأبواب في وجوههم، فهم لا يساوون شيئا.. والويل لمستقبل المهنة والحياة الفكرية والسياسية في بلادنا إذا كانت القدوة هي ما نفقده ونفتقده. وإذا كانت هذه هي البداية، فلسنا في حاجة إلى عراف ليقول لنا ما النهاية!

حزين أنا؟ نعم.