دولة الأمر الواقع في الضفة الغربية.. خيار لا خيار غيره

TT

غير جديد ما تحدث به رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض قبل أيام، حيث أكد أن إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، التي باتت إقامتها تحظى بإجماع دولي، سيتم في منتصف عام 2011 المقبل فهو كان قد قال مثل هذا الكلام قبل سنة وأكثر وكان قد أوضح أيضا أن إنشاء هذه الدولة المنشودة كأمر واقع يفرض نفسه على الإسرائيليين يتطلب بناء مؤسساتها الفعلية واستكمال بنيتها التحتية كما أوضح أيضا لإزالة أي التباس أو ضبابية بأن هذه الخطوة تشكل البرنامج التنفيذي للسلطة الوطنية ولمنظمة التحرير وأن إنجازها يقتضي التنسيق والتعاون مع كل أطراف الأسرة الدولية ومع كل الدول العربية.

وكان قد ساد اعتقاد قبل أكثر من عام عندما أعلن سلام فياض عن خطة إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض الواقع وفرضها على إسرائيل تحت ضغط العمل الشعبي والمقاومة السلمية أن الولايات المتحدة هي التي دفعته ودفعت منظمة التحرير والسلطة الوطنية للقيام بهذه الخطوة كمخرج من الاحتقان الشديد الذي تعيشه عملية السلام بسبب المواقف اليمينية المتطرفة التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية التي يرأسها بنيامين نتنياهو ويشغل موقع وزير الخارجية فيها أفيغدور ليبرمان الذي جاء من الاتحاد السوفياتي السابق بعقد كثيرة ومحشوا بتصورات غريبة.

وحقيقة أن سلام فياض عندما كشف النقاب عن خطة إقامة دولة الأمر الواقع وبدأ على الفور بإنشاء البنية الاقتصادية المرتكزة على استتباب الأمن واستقراره في الضفة الغربية قد تلقى دعما سياسيا وماليا معلنا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومن الكثير من الدول العربية وهذا ما أدى إلى تعزيز القناعة بأن هذا المشروع ليس مشروعا فرديا وليس مغامرة من مغامرات منظمة التحرير والسلطة الوطنية دافعها الشعور باليأس والإحباط وإنما خطة دولية جدية قد وُضعت موضع التنفيذ لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لتصبح أمرا واقعا يُفرض على الإسرائيليين رغم أنوفهم كخيار لا خيار غيره بعد أن أغلقت حكومة بنيامين نتنياهو كل الطرق أمام كل الخيارات الأخرى.

وهنا فإن ما يدعو إلى القهقهة حتى الاستلقاء على الظهر أن الذين اغتصبوا السلطة والحكم في غزة من السلطة الوطنية ومن محمود عباس ومنظمة التحرير بانقلاب دموي همجي لا يشبهه إلا الانقلابات العسكرية البدائية والهمجية في بعض الدول الأفريقية لم يجدوا ما يقولونه ضد سلام فياض إلا ما كانوا قالوه مرات كثيرة وهو أنه شخصية غير شرعية اغتصبت الحكم اغتصابا في الضفة الغربية دون وجه حق، وهذا ينطبق عليه المثل العربي القديم القائل: «رمتني بدائها وانْسلتْ».

هذا بالنسبة إلى موقف حماس ومواقف أعضاء «نادي» المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي وُلد ميتا وكان مجرد فقاعة لخدمة معادلة إقليمية آنية أما بالنسبة إلى إسرائيل فإن رد فعلها على خطوة فياض قد جاء على لسان رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي تساحي هانغبي حيث قال: «لا أحد يستطيع أن يفرض ما يجب أن يكون ثمرة تفاوض مع إسرائيل»، وحقيقة أن ما يرعب الإسرائيليين فعلا هو أن يأخذ هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، الذي بات يحظى بتأييد غير مسبوق على الإطلاق من قِبل دول العالم كلها بما في ذلك الولايات المتحدة، طريقه عبر الإنجاز الوطني الهام الذي يسعى إليه سلام فياض إلى مجلس الأمن الدولي وتصبح هذه الدولة الحلم حقيقة على أرض الواقع في الضفة الغربية في فلسطين وفي المحافل الدولية.

إن أشد خطر على اليمين الإسرائيلي الحاكم هو أن يثبت الشعب الفلسطيني للعالم أنه قادر على إنشاء دولته المستقلة المستقرة اقتصاديا والمنضبطة أمنيا والمتماسكة اجتماعيا وهذا ما أرادته السلطة الوطنية ومنظمة التحرير عندما دفعتا سلام فياض إلى القيام بما يقوم به وإلى التأكيد على رفض العنف وسفك الدماء والدعوة إلى التركيز على العمل الشعبي والمقاومة السلمية المتمثلة في التظاهرات اليومية ضد المستوطنات وجدار الفصل العنصري وضد الاحتلال ودفاعا عن الأقصى والقدس الشريف.

تريد إسرائيل أن يبقى الشعب الفلسطيني «ضياع فُرَصٍ»، وأن يبقى في أعين العالم مجموعات إرهابية انتحارية تضرب المدنيين وتستهدف الأطفال وأن تبقى صورة دولته المستقلة التي يطالب بها هي صورة دولة غزة التي تشكل نمطا متخلفا لحكم طالبان في أفغانستان والتي تضطهد شعبها أكثر مما يضطهده الإسرائيليون وتجوعه أكثر مما جاع أبناء مخيمات بيروت خلال الحصار الذي فرضه عليها الذين يبتزون الآن الشعب اللبناني باسم المقاومة ولذلك فإن الصورة التي يحاول سلام فياض، الذي ينفذ برنامجا هو في حقيقة الأمر برنامج منظمة التحرير والسلطة الوطنية، رسمها للشعب الفلسطيني بالأفعال لا بالأقوال تصيب الإسرائيليين بكل هذا الرعب وبكل هذا الخوف. والسؤال الذي لا بد من طرحه ونحن بصدد الحديث عن مسألة أثارت للأسف استياء حماس بقدر إثارة مخاوف الإسرائيليين وأكثر هو: هل بالإمكان فعلا إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة من خلال المقاومة السلمية ومن خلال إرساء قواعد هذه الدولة كأمر واقع في الضفة الغربية؟!

بداية لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن تبني العرب لمبادرتهم السلمية واستمرارهم بالتمسك بها كبديل لا بديل غيره يعني إسقاط خيار الحرب نهائيا بعد تجربة طويلة مع هذا الخيار الذي أدى في النهاية إلى ما أدى إليه من ضياع لكل فلسطين واحتلال مستمر لهضبة الجولان السورية المحتلة ويعني أن عليهم أن يخوضوا معركة السلام بأسلوب صحيح يستجيب لتوجهات العالم كله الذي بات بدوله الكبرى والصغرى يصر على حل الدولتين أي دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل وهذا يقتضي دعما فعليا لخطة سلام فياض التي هدفها إقامة دولة الأمر الواقع في الضفة الغربية.

في التاريخ تجارب كثيرة أثبتت فيها المقاومة السلمية أنها استطاعت تحقيق ما لم تستطع تحقيقه المقاومة المسلحة والمثل الذي لا يزال حيا في الأذهان هو الظاهرة الغاندية التي اجترحت استقلالا عظيما لواحدة من أهم دول العالم التي هي الهند، ولهذا فإنه بإمكان العرب أن يضعوا بين يدي المجتمع الدولي، بدوله العظمى والكبرى وبدوله الصغرى، هذا الذي يتحقق في الضفة الغربية، أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، والذي يشكل الدليل القاطع على أن الشعب الفلسطيني يستحق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة تعيش بأمان وسلام إلى جانب دولة إسرائيل التي يجب إلزامها إلزاما بمثل هذا السلام والأمان.

يجب أن يحتضن العرب غير المصابين بداء المزايدات وبعقدة الشعارات الكبيرة الفارغة تجربة الضفة الغربية وتطويرها بسرعة لتصبح دولة الأمر الواقع الفلسطينية التي - كخطوة لاحقة بعد الموعد الذي حدده سلام فياض أي منتصف عام 2011 - يجب الذهاب بها إلى مجلس الأمن الدولي لإقرارها رسميا هناك، حيث غدت حتى الولايات المتحدة تقبل بخطوة كهذه، وفرضها على إسرائيل فرضا رغم أنف بنيامين نتنياهو، أما أن يبقى الواقع العربي الرسمي يخضع لشعارات المزايدين وللعبة أن إيران هي الرقم الرئيسي في المعادلة الشرق أوسطية فإن هذا هو كارثة الكوارث ويعني ضياع كل هذا التعاطف العالمي غير المسبوق مع الفلسطينيين وقضيتهم، ويعني أيضا ضياع فرصة تاريخية قد لا تتكرر إلا بعد قرن أو أكثر.

لا يجوز أن يُضيع العرب والفلسطينيون هذه الفرصة، فكل هذا التعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني سيتبدد حتما إن لم يتم استغلاله بسرعة، والشاعر العربي يقول: «إذا هبَّت رياحُك فاغتنمها/ فإن الخافقات لها سكونُ»، والمفترض أن تتحرك لجنة المتابعة العربية التي من المقرر أن تجتمع خلال أيام دوليا للتحضير ومنذ الآن للخطوة المطلوبة التي يجب أن تتبع خطوة إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وهي إلزام مجلس الأمن الدولي بالاعتراف بهذه الدولة كأمر واقع يفرض على إسرائيل فرضا بقوة الإرادة الدولية.