أصوات منادية بالديمقراطية في أذربيجان تكافح من أجل سماعها

TT

قد يعرف الكثير من الأميركيين بلدي أذربيجان، وذلك لثروتها النفطية أو لصراعها مع أرمينيا حول إقليم ناغورنو كاراباخ. جاء في مقال نشر في صحيفة «واشنطن بوست» بتاريخ 5 مايو (أيار) الماضي أن الأسرة الحاكمة بها تمتلك فيلات فاخرة في دبي بقيمة 75 مليون دولار. وفوجئ عدد ليس بالكثير منا في أذربيجان عندما قرأ تقريرا يقول إن الرئيس إلهام علييف يستثمر أصولا خارج البلاد. ما الذي يجب توقعه غير ذلك من قائد ورث السلطة عن والده من خلال انتخابات مزورة؟!

بدأت الحملة الوحشية التي قام بها علييف ضد المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة مع انتخابه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2003. حيث جرى إلقاء القبض على آلاف الأذاريين وتعذيبهم بعدما اعترضوا على طريقة انتقال السلطة، التي تشبه الخلافة أكثر منها انتخابات. وفي الوقت الذي ظل فيه أنصار المعارضة داخل السجون، اتصل نائب وزير الخارجية الأميركي آنذاك ريتشارد أرميتاج بالرئيس علييف لتهنئته على انتصاره الساحق في الانتخابات. وتم إخماد أصوات الاحتجاج الديمقراطية بفعل ضربات هراوات رجال الشرطة. وكانت القوى الغربية حريصة على التعاون مع قائد جديد يعتبرونه شابا وتقدميا.

وبعد ما يقرب من عامين من ذلك، وفي عشية الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005، قرر الديمقراطيون الأذاريون مرة أخرى الاعتراض على نظام حكم علييف السلطوي، وساعدهم على ذلك الدعم الذي قدمته دول الغرب للثورات الديمقراطية مثل ثورة الورود في جورجيا والثورة البرتقالية في أوكرانيا. لكن لسوء الحظ تطورت الأحداث في اتجاهات مألوفة حاليا؛ فقد قامت الحكومة بتزوير نتائج الانتخابات، وجرى سحق احتجاجات المعارضة، ومع ذلك أشادت واشنطن بما فعلته المحكمة الدستورية في أذربيجان، التي أيدت النتائج المزورة للانتخابات!

وعلى ما يبدو فسر علييف صمت المجتمع الدولي على أنه تفويض مطلق لتحويل دولة تتمتع بتقاليد ديمقراطية على مر الزمن إلى إقطاعية. وطردت الحكومة أحزاب المعارضة الرئيسية من مقارها المركزية. كما لحقت هذه الموجة بوسائل الإعلام المستقلة، حيث قتل محرر صريح بمجلة معارضة في شهر مارس (آذار) من عام 2005، وصدرت ضد آخرين أحكام قاسية بالسجن في تهم ملفقة.

وكان هناك وقت في الماضي بدا فيه مستقبل أذربيجان واعدا. ففي ثمانينات القرن الماضي، كانت أذربيجان في مقدمة الحركات الديمقراطية التي قادت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي عام 1992، أجرينا أول انتخابات ديمقراطية في البلاد. وفاز أبو الفضل الشيبي، زعيم الجبهة الشعبية، بـ59 في المائة من الأصوات. وكان الشيبي يرى نفسه الوريث السياسي لمؤسس الجمهورية الأذربيجانية الديمقراطية عام 1918. وكانت أذربيجان الدولة الأولى في العالم الإسلامي التي تؤسس نظاما ديمقراطيا برلمانيا منح حق الاقتراع العام، وسبقت في ذلك الكثير من دول الغرب.

لكن في هذه الأيام، الصوت الوحيد المهم هو صوت إلهام علييف. وبعد «الفوز» بفترته الثانية في رئاسة البلاد العام الماضي، في انتخابات لم يخضها أي بديل من المعارضة قادر على المنافسة، تآمر علييف والبرلمان المصدق دوما على قراراته لتغيير الدستور، من خلال استفتاء عام، بهدف رفع القيود على فترة الرئاسة.

ومن المقرر عقد الانتخابات البرلمانية المقبلة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني). وتستعد المعارضة الديمقراطية مرة أخرى لمجابهة النظام الحاكم. وفيما لا يوجد ثمة مؤشرات بأن سلوك الحكومة سيختلف عن السنوات الماضية، فقد قررنا المشاركة في العملية الانتخابية لأننا ندرك أن هذه هي فرصتنا للمحاربة من أجل غاياتنا.

برنامجنا بسيط، حيث إننا نعتزم إقامة ديمقراطية عملية في بلادنا. تمتلك أذربيجان شعبا ذا دهاء، ونستطيع خفض اعتماد البلاد على النفط، بل ويجب علينا فعل ذلك. ويجب علينا كسر الاحتكارات الاقتصادية التي يسيطر عليها المسؤولون الفاسدون. وهدفنا هو إقامة اقتصاد حر قائم على السوق. ونريد اندماج أذربيجان في تجمع الدول الأوروبية الأطلنطية، لتضع نهاية لوضعها كدولة تابعة لروسيا الاستبدادية.

وفي الوقت الذي نواصل فيه كفاحنا من أجل الحرية، من المهم أن تقوم الولايات المتحدة بتحرك مناسب فيما يتعلق بأكبر دولة في جنوب القوقاز. ولفترة طويلة كانت العلاقات الثنائية قائمة على التعاون في مجالات الطاقة والأمن والتنمية الديمقراطية. لكن للأسف، يرى الكثير من الأذاريين أن السياسة الأميركية تحركها المصالح المتعلقة بالطاقة والحرب العالمية على الإرهاب. وبالنسبة إلينا، يبدو أن الديمقراطية تحصل على اهتمام ضئيل. ونأمل أن توضح إدارة الرئيس أوباما لزعيم أذربيجان أن الإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان تمثل أولوية في العلاقات بين الولايات المتحدة وأذربيجان.

وكان لزاما على واضعي السياسة الأميركية التعلم من الدول في منطقة الشرق الأوسط والمناطق الأخرى؛ أن أنظمة الحكم الفاسدة والاستبدادية لا تشكل حلفاء يمكن الاعتماد عليهم، وأن «استقرارهم» غير قائم على رضا المحكومين. لا تسعى المعارضة الديمقراطية في أذربيجان إلى التدخل أو المساعدة المالية من جانب الولايات المتحدة. ما نحتاجه هو الدعم المعنوي من أميركا التي تدعم القيم الخاصة بها.

* رئيس حزب الجبهة الشعبية في أذربيجان وأحد مؤسسي كتلة الحرية، وهي الكتلة السياسية لأحزاب المعارضة

* خدمة «واشنطن بوست»