تفضل.. هذه استقالتي المسببة!

TT

لا غرابة في أن يدون الموظف أسباب تركه لعمله في نص الاستقالة، لكن أن يقرر إذاعة استقالته على الهواء مباشرة في إحدى القنوات التلفزيونية فهنا تكون المفاجأة. وهذا ما حدث فعلا حينما أعلنت المذيعة شذا عمر سبب استقالتها من قناة «LBC» الفضائية، عبر الأثير، وأمام آلاف المشاهدين. ويعد هذا التصرف في المعايير الإدارية إضرارا بسمعة المؤسسة، وقد تحرم بسببه من بعض المكافآت المقررة لها، إذا كان عقدها ينص على ذلك. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، متى يقدم الموظف «استقالته المسببة»؟ ولماذا يلجأ إلى هذا التصرف، بدلا من أن يغادر وظيفته بكل هدوء؟

بعض كبار القياديين يستقيلون فورا لأنهم يريدون تحمل المسؤولية السياسية كما فعل وزير النقل المصري حينما أعلن استقالته عقب حادث تصادم القطارات الشهير الذي أودى بحياة مئات الركاب في مصر. وكذلك فعلت وزيرة الصحة في دولة الكويت د. معصومة المبارك التي قدمت استقالتها عندما نشب حريق هائل في أحد أكبر مستشفيات الكويت، وفعل ذلك قبلها زميلها وزير النفط في حادثة وقعت في منشأة نفطية. والأجمل أيضا أن يتنحى زعيم بلد ما من منصبه لأسباب تصب في مصلحة الشعب، ولا شك في أن التاريخ سيسطر له ذلك الموقف الشجاع بأحرف من نور! لكننا نجد البعض الآخر يستقيل بحجج واهية ربما ليغطي على تقصيره أصلا في العمل، ليخرج أمام الآخرين بصورة إيجابية.

إحدى الدراسات تظهر أن نحو 89 في المائة من الموظفين يقدمون استقالاتهم لأسباب مادية، لذا يجدر بهؤلاء الموظفين التحلي بالشجاعة وأن يخبروا الآخرين شفاهة بأن استقالاتهم سببها مادي، مثل حصولهم على عروض مغرية، من دون الحاجة إلى التشهير بالمؤسسة التي يعملون بها عبر رسالة الاستقالة، فمن يدري ربما تدور الدوائر فيجد هؤلاء أن من شهروا بهم في استقالاتهم المسببة صاروا مسؤوليهم في مؤسسات أخرى فيُسقط في أيديهم.

والسؤال هو ماذا يجب أن تحتوي عليه الاستقالة؟ أذكر أن نحو 8 أصدقاء قد طلبوا مني أن اكتب لهم استقالاتهم المسببة، وكانوا يريدونها قاسية وشديدة اللهجة، وقد باءت كل محاولاتي بالفشل في ثنيهم عن قرارهم بالتخفيف من حدة الاستقالة، لأنها مستند مكتوب ربما يتضرر منه آخرون وحتى صاحب الاستقالة نفسه كما أسلفنا. الاستقالة المناسبة هي التي تتضمن نقاطا عدة أبرزها: كلمة شكر لأرباب العمل أو المسؤولين والإشارة إلى أهمية ما أضافته الوظيفة لمسارنا الوظيفي. ويفضل أيضا ذكر اليوم المرغوب فيه بالاستقالة، بحيث يدع المستقيل لمسؤوليه متسعا كافيا من الوقت للبحث عن بديل (في بعض الحالات). ولا تنس أن تبدأ الاستقالة بفقرة إيجابية وتختمها بإيجابية أيضا، بحيث تكون عبارة الاستقالة في المنتصف، وهذا هو عرف مهني متبع.

كل هذه العناصر هي أمور مهمة، لأنها تعكس مهنيتك في العمل، وأنك حتى وإن كنت غير راضٍ عن القائمين على عملك، إلا أنك تلتزم بالحد الأدنى المطلوب من المهنية في التعامل معهم، فلربما تحتاج منهم يوما من الأيام إلى «كلمة ثناء واحدة» تشفع لك أو تسهم في قبولك في وظيفة جديدة، فتأتيك على طبق من ذهب من مسؤولك السابق الذي ترفعت عن التشهير به وأن تكون أفضل منه في طريقة التعامل، رغم أنه كان أحد أسباب تعاستك!

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]