أولا.. لغة واحدة

TT

كل شيء في الدنيا مراحل. البشر مراحل والشجر مراحل والأمم مراحل. وحده السقوط، يقع مرة واحدة. لذلك نقول، بكل اللغات، إن المطر يتساقط. ونقول إن المرأة سقطت. ونقول إن الأمم هوت. وربما كان من المفيد أن نعيد بناء العلاقات العربية، أو إذا شئت التضامن العربي، أو القمة العربية، من البداية. أولا، يقضي التضامن شيئا من التفاهم. ولكي نتفاهم يجب أن نتكلم لغة واحدة. واللغة هنا لا تعني المبتدأ والخبر، فهذه للأطفال والمستشرقين، ولكن اللغة بمعنى السوية البشرية، بمعنى التخاطب وآدابه، وبمعنى الخطاب القومي وصدقه ومصداقيته. اللغة بمعنى تلك التي يصدقها الناس لا التي يكتبها المتفذلكون، اللغة بمعنى نشر المحبة بين الحكام والشعوب، لا بمعنى السب والشتم والتعابير المأخوذة من الشوارع.

إذا تبين لنا أن ذلك ممكن، رغم صعوبته، انتقلنا إلى المرحلة الثانية. إذا وجدنا أن بعضنا لا يستطيع العيش بغير هذه اللغة وهذا السلوك، عاد كل واحد إلى بلده، لا عاتبا ولا معتوبا عليه. من دون لغة موحدة لا شيء ممكن. من دون أن تعني كلمة فلسطين فلسطين لا الشتائم والتآمر، ومن دون أن تعني القدس القدس لا التنافر، ومن دون أن يعني التضامن الاتفاق، لا التكاره والتحاقد والثأر، من دون ذلك، لا ضرورة لإهدار أوقات الشعوب بعد إهدار كراماتها، وبعد تطويعها، وبعد تحويلها إلى زمر من الهتافين ورافعي اليافطات.

اللغة الموحدة أولا، لأنها أبسط الفروض. وبعدها، عندما نجيد الكلام ونعرف معانيه وندرك مدى وقعه في نفوس الشعوب، نتعلم كيف نستخدم المصطلحات المناسبة والكلمات الضرورية وكيف لا نزرع الجروح التي لا تلتئم في نفوس الغير. أصعب الأشياء هو السقوط. قطرة المطر التي تسقط لا يمكن استعادتها. والكلمة الرديئة التي تسقط لا يمكن استعادتها. والإهانات التي لا تسجل في المحاضر الرسمية لا يعني ذلك أنها لم تسجل في القلوب وتُحفر في الذاكرة.

نأمل من ليبيا، التي ترأس الدورة الحالية للقمة، أن تتولى هذه المهمة. أن تشكل لجنة شعبية خاصة ذات مهمة واحدة، تشبه مهمة القواميس: ماذا يقال وماذا لا يقال. ماذا يجوز وماذا لا يجوز. ما الإطالة وما الإمالة. وما الأسوأ منهما. وبذلك نكون قد حققنا إنجازا لا مثيل له: إن العرب، للمرة الأولى، يتحدثون بلغة واحدة ويتفاهمون بلغة تلتزم الآداب.