«أولياء الشرق البعيد»

TT

ينشئ الدكتور بشار الجعفري كتابه «أولياء الشرق البعيد» حول انتشار الإسلام في أرخبيل الملايو، على قاعدة أولى، هي المقارنة بين ذهاب البرتغاليين إلى المنطقة، قراصنة ومقاتلين، وذهاب المسلمين إليها دعاة وفقهاء ومبشرين. وينحت المؤلف من ضجر في أرجاء مئات المراجع، لكي يتم بحثا علميا طالما اهتم بموضوعه كبار المؤرخين ومشاهير الرحالة، عربا، وأعاجم، من ماركو بولو إلى ابن بطوطة، ومن ابن رسته إلى الأصطخري إلى ياقوت الحموي إلى سليمان التاجر وابن حوقل والمسعودي، الذين حملتهم السفن العربية إلى هناك.

ويقول الدكتور الجعفري، الذي انتقل من التاريخ إلى الدبلوماسية، حيث يمثل سورية سفيرا لدى الأمم المتحدة: إن ماركو بولو، البندقي، وصل إلى الصين فرأى العرب قد سبقوه. وهو يؤكد أن المسلمين بلغوا جنوب الصين منذ القرن السابع. وكانت المراجع العربية القديمة تشير إلى أقطار الملايو بأسماء لم تعد متداولة كبلاد الصفا والرمني وجزر الملوك وغيرها. ويعارض القول إن المنطقة عرفت الإسلام من القرن الثاني عشر، مؤكدا أن ذلك يعود إلى صدر الإسلام. ويذكر أن بعض معارضي السلطة الأموية والعباسية لجأوا إلى هناك، وأقاموا وبشروا. وسلك عرب الملايو طريقين بحريتين: الأولى مباشرة من الجزيرة العربية والعراق وحضرموت وخراسان، والأخرى عن طريق مالابار وكوغرات في الهند.

يروي الدكتور الجعفري أن القص الشعبي في إندونيسيا مليء بالحكايات العربية القديمة. وهذا هو السبب الذي جعله يختار هذا الموضوع الكثيف لدى وصوله إلى إندونيسيا. وعندما ذهب إلى مؤلفات المستشرقين يبحث فيها، لاحظ تناقضات شتى، كما لاحظ أن هذه التناقضات تركت أثرها من التشتت والحيرة عند المؤرخين العرب، وقرر أن يسعى إلى «نتيجة إسلامية مستقلة» حول الأمر.

وبدأ الجعفري طريقه عند عدد كبير من علماء إندونيسيا وفقهائها، يسميهم لنا ويورد اختصاصاتهم. وسعى إلى تجاوز عقدة اللغة باللجوء إلى الثقات من المترجمين. ويطلق على مؤلفه الصعب (480 صفحة) صفة الرواية التاريخية، محاولا أن يبسطه لقارئه، لكنه زاخر بالعلوم والمراجع بحيث يصعب التبسيط فيه. وحتى رحلات السندباد وحكاية مصباح علاء الدين وانطباعات ابن بطوطة، ثروتنا في سياق العلم والتوثيق.

ويكتظ الكتاب بالتفاصيل والتواريخ بحيث يستحيل أن يقرأ كـ«رواية تاريخية» كما أراد له مؤلفه (دار طلاس - دمشق). ويخطر لي أنه من أهم المراجع التي صدرت حول الموضوع. لكن يشار أيضا إلى أنه لا يشمل المرحلة المعاصرة من العلاقات الإسلامية مع دول الأرخبيل، خصوصا أيام الاستعمار البريطاني، عندما لعب الملك عبد العزيز دورا رئيسيا في دعم الرسالة عن طريق نشر الصحف وإرسال الدعاة قبل فتح السفارات وإرسال البعثات. وفي مجمله يبدو مؤلف السفير الجعفري عملا، أو مجهودا، مضنيا ومثمرا.