تركيا ـ إسرائيل: ما الذي ستقوله واشنطن؟

TT

فيما كانت قيادة الجيش التركي تتسلم دفعة من دبابات «إم - 60» التي تم تحديثها في إسرائيل وسط احتفال جرى في إحدى ثكنات مدينة قيصرية في قلب الأناضول بحضور مسؤولين سياسيين وعسكريين من البلدين بعد عقد ثنائي وقع عام 2000 بقيمة 700 مليون دولار، كان رئيس الوزراء التركي يوجه قذيفة سياسية جديدة من العيار الثقيل باتجاه الدولة العبرية واصفا إياها بـ«الخطر الرئيسي على السلام الإقليمي» على مرأى ومسمع حليفها وحاميها الأوروبي نيكولا ساركوزي.

حالة مشابهة أخرى وقعت قبل أيام عندما جاء قائد أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي للمشاركة في ندوة «الإرهاب وسبل المواجهة الدولية» التي نظمتها قيادة الجيش التركي بالتعاون والتنسيق مع منظمة حلف شمال الأطلسي في العاصمة التركية، الذي أبلغ الأتراك خلالها أن الدفعة الأخيرة من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية «هيرون» جاهزة للتسليم، لكن حكومة أردوغان تجاهلت هذه الزيارة حتى لا تندرج ضمن مؤشرات عودة المياه إلى مجاريها بين أنقرة وتل أبيب المقطوعة منذ أكثر من عام تقريبا.

أشكينازي هو الشخصية الإسرائيلية الثانية التي تزور تركيا خلال عام واحد بعد محاولة فاشلة لوزير الصناعة الإسرائيلي بن أليعازر قبل 4 أشهر لإخراج العلاقات الثنائية من حالة الجمود والتدهور. وهو في اللحظة التي كان يتحدث فيها عن ضرورة إطلاق مسار جديد على خط الحوار بين البلدين، مشيدا بالصداقة التاريخية وحجم التقارب والتعاون التركي الإسرائيلي في المجالات العسكرية والأمنية والتجارية، كان رئيس الوزراء التركي يواصل هجماته ضد تل أبيب وسياساتها التصعيدية والقمعية في القدس الشرقية وحرم المسجد الأقصى.

رئيس الأركان الإسرائيلي الذي سارع لوضع إكليل من الزهور على ضريح مؤسس تركيا الحديثة (أتاتورك) وتدوين عبارة «كان قائدا مميزا بتجربته وحنكته العسكرية والسياسية وقراءاته الاستراتيجية الشاملة.. لي الفخر أن أزور شخصية مثل أتاتورك باسم الجيش الإسرائيلي» في دفتر الشرف في زيارة اليوم الواحد إلى أنقرة، وهو رغم الحفاوة الكبيرة التي لقيها من نظيره إيلكر باشبوغ وتصريحاته المشيدة بالتجربة التركية على أكثر من صعيد، لم يلق أية أذن صاغية من حكومة أردوغان التي ما زالت تحت تأثير أصوات القنابل والطائرات الإسرائيلية التي تدمر بيوت غزة وتقتل أطفالها بأوامر كان يصدرها هذا الضابط.

أشكينازي جاء يعتذر مرة أخرى باسم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على تصريحات أحد كبار ضباطه في سلاح البر، مزراعي، الذي كان يرد على انتقادات أردوغان «أنتم تعرفون جيدا كيف تقتلون»، بقوله: «لينظر الأتراك إلى المرآة أولا قبل مهاجمة الآخرين وانتقادهم»، ويطالب بالعودة إلى تطبيقات الأناضول العسكرية المشتركة في المتوسط التي جمدتها تركيا العام المنصرم وبمناقشة مصير غرفة الرصد والمتابعة السرية في الجناح الخلفي لقيادة الأركان التي يديرها ويشرف عليها مباشرة خبراء إسرائيليون، والتي تحدثت عنها بعض وسائل الإعلام التركية في إطار الحملة على منظمة «أرغنيكون» بتهمة الإعداد لانقلاب عسكري يطيح بحكومة أردوغان. لكن أشكينازي عاد بخفي حنين من زيارته مزودا بالفشل والخيبة. فحكومة أردوغان كما أنها لم تحمله أية بارقة أمل في حلحلة قريبة للأزمة القائمة بين البلدين، أسمعته رأيها بألا عقود تجارية وصفقات عسكرية جديدة مع تل أبيب رغم تكراره على مسامع الأتراك أن الأزمة السياسية العاصفة لم تطل التنسيق والتعاون الاستراتيجي الأمني والعسكري بين العاصمتين.

قيادات «العدالة والتنمية» متمسكة على ما يبدو بتأجيل مكان وزمان خطوة التقارب مع تل أبيب بانتظار معرفة مدى استعداد حكومة نتنياهو للتراجع عن حرب التدمير والتهويد وتوسيع رقعة المستوطنات وتبلور نتائج الأزمة السياسية الأخيرة بين تل أبيب وواشنطن وقدرة الأخيرة على حشر نتنياهو وإلزامه بنهج وأسلوب جديدين في التعامل مع دول المنطقة وشعوبها أو تحميله المسؤولية السياسية المباشرة حيال وصول مسار العملية السلمية في المنطقة إلى طريق مسدود. وكل هذا سيناقشه رجب طيب أردوغان مع إدارة البيت الأبيض خلال زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ما الذي ستقترحه واشنطن، وإلى جانب من ستكون هذه المرة؟ هل ستقف إلى جانب أردوغان، الذي قرر استهداف إسرائيل بأكملها، حكومة وقيادات سياسية، ليحملها مسؤولية هذا التأزم؟ أم هي ستأخذ بما يقوله وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان، الذي يردد أن «لا أزمة لنا مع تركيا، بل إن أزمتنا هي مع أردوغان وحده»، فتضغط باتجاه مطالبة رئيس الوزراء التركي بتليين مواقفه وأسلوبه؟