دروس من العاصمة

TT

«تخطيط المدن» عبارة مطاطة ومغرية، ولكن في مهارة تطبيقها تكمن تفاصيل النجاح وتوضيح الفرق بين التنظير والعمل الجاد.

ومؤخرا شهدت العاصمة السعودية الرياض سلسلة من الأخبار المهمة التي تكون توجهاتها المستقبلية، فلم تكد أسابيع قليلة تمضي على مناسبة الإعلان عن إعادة إطلاق الدرعية كموقع تراثي ووطني، وذلك بعد ترميم بعض المباني وتحضير المواقع بأدوات العرض والإضاءة لتكون واجهة سياحية ومعرفية مشرفة أعدت بأسلوب راق ومميز.

وبعدها تم إطلاق موقع تطويري جديد للأعمال والمشايع الاستثمارية بمسمى «وادي الرياض للتقنية»، في محاولة جادة لجذب الاستثمارات الكبرى في عالم الاقتصاد الرقمي الجديد وتقديم البنية التحتية الذكية المناسبة لذلك.

وبعدها جاءت مناسبة الإعلان عن إطلاق موقع وادي حنيفة مجددا، بعد أن تم تخطيطه بشكل حضاري ولائق وإعداد التجهيزات اللازمة للحفاظ على هويته التاريخية وتمكينه أن يتحول إلى منتزه ومتنفس جمالي لسكان الرياض وزوارها في تزاوج جميل بين الماضي والحاضر.

ولم يمض وقت كبير حتى تم الإعلان عن أحدث المدن الصناعية بمنطقة سدير تحديدا، التي لا تبعد كثيرا عن الرياض نفسها، وهي أعدت بشكل مميز تقدم فيه التسهيلات الملائمة والمناسبة لمتطلبات قطاع الأعمال والمستثمرين الصناعيين.

كل هذه المشاريع الحيوية والعملاقة كان يشرف عليها بشكل شخصي ومكثف أمير الرياض سلمان بن عبد العزيز، الذي تمكن بمفرده من إعادة كتابة قوانين الإدارة المحلية بالمدن والمحافظات والمناطق السعودية، حتى تحولت جملة «أنت لا ترى ذلك في الرياض» أو «هذا لا يسمح به في الرياض» إلى عبارة يرددها الكثيرون حينما يرون مخالفة أو قصورا في الأداء.

وبهذا «الزخم» الإداري المشهود لم تعد أخبار الرياض مجرد أحداث تردد، ولكنها تحولت إلى مثابة ترمومتر يقاس به الأداء التنموي السعودي، واليوم يستعد الأمير سلمان بن عبد العزيز للقيام بزيارة «ذكية» إلى الهند، في زيارة ليست بروتوكولية أو زيارة علاقات عامة، ولكنها زيارة تبنى على زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الناجحة إلى الهند، وزيارة رئيس الوزراء الهندي الأخيرة إلى السعودية، وهو بهذه الزيارة يسعى لتأكيد أهمية العلاقة السعودية الهندية «الجديدة والمتنامية»، التي بات فيها الكثير من المزايا التي كانت غائبة من قبل.

التبادل المعلوماتي والخبراتي بين الطرفين بات ممكنا، السعوديون ممكن أن يعرضوا خبراتهم في البتروكيماويات والبترول والغاز وتحلية المياه والمقاولات، والهنود ممكن أن يساعدوا في الطب والتقنية العالية والصيدلة والتعليم، وكاتب هذه السطور عضو في مجلس الأعمال السعودي الهندي، والتعاون السعودي الهندي يمكن تأكيده في مجالات عدة، وليس من شهادة أوقع على الدور السعودي الجديد سوى قبول وساطتها في مسألة كشمير الشائكة بين الهند وباكستان.

الأخبار التي تخرج هذه الأيام من قلب العاصمة السعودية تبعث على الأمل، وتؤكد نتاج التخطيط السليم والنظرة الاستراتيجية المتأنية، ولو درست وتم تقليدها لعمت الفائدة.