لماذا لا نعترف بالحقيقة؟

TT

لدينا خلل بالمنظومة الأخلاقية، القيم، ولدينا خلل بالمنظومة الثقافية، التعليم، فلا نجيد حق الاختلاف، ولا لباقة الحوار، على الرغم من أننا نختبئ خلف جبل من شعارات، وأمثال، وأبيات شعر، كلها تقول إن للخلافات أخلاقيات، وللعداء أخلاقيات، وللحروب أخلاقيات أيضا.

معارك باليد، وأزمات سياسية بسبب كرة قدم، وتلاسن وشتائم في الأروقة السياسية، وفي القمم العربية، وعلى صدر الصحف، يكذب مَن يكذب ولا قيم أخلاقية متفقا عليها تحاسبه وتخرجه من المشهد أو الساحة.. سقط صدام حسين، ولم يسقط أحد من عملائه في العالم العربي، لا من أخذ كوبونا نفطيا، ولا حتى من تلقى صندوق خمرة هدية. مات ونسينا، وظلوا في المشهد السياسي والإعلامي.. لا رقيب ولا حسيب.

وهذا ليس كل شيء، حيث نجد بيننا مَن يتعاطف مع كل مَن حمل السلاح، بل ويوجد له المبررات، حتى وإن جز رؤوس الأبرياء، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. كما أن التنابذ بالألقاب في صحافتنا، وبين مثقفينا، ناهيك عن ثقافة الصراخ في البرامج التلفزيونية، والانحدار بلغة الحوار حتى لدى مَن يدعون أنهم علماء أو طلبة علم، بات هو القاسم المشترك. كما أن التكفير بات فوريا، وتناله على الهواء مباشرة، فقط اقترب من مواضيع المرأة، أو تكلم عن الأقليات، أو تجرأ وانتقد أصحاب الإسلام السياسي، لترى أي مستوى من القيم الأخلاقية ذلك الذي نملك. هذا حالنا من المحيط وحتى الخليج، والأمر لا ينتهي هنا وحسب، بل حتى ما يفترض أنه ترفيه، من مسلسلات تلفزيونية وأفلام، كلها عنف، وجنس، ومخدرات، وطلاق، لا شيء خلاق، أو يدعو إلى التفاؤل، ولا إضاءات على أي زوايا إيجابية في حياتنا، ولا إنصاف لمبدع، ولو رسم لوحة فنية.

والقناعة أن جزءا رئيسيا خلف كل ذلك يعود إلى تخلف التعليم العربي، وتخلف أدواته، وغياب البعد الخلاّق في تعليمنا. لا قراءات حرة، ولا تحفيز للبحث، والمناقشة، ولا تنقيح للمنظومة الأخلاقية وفق متغيرات العصر، وتحدياته، حيث ينسى المعلمون والمعلمات، ودكاترة الجامعات أنهم محترفون، وعليهم تطوير أنفسهم، وتسخير أوقاتهم لمهمتهم، وتوسيع أفقهم، كما تنسى المؤسسات أن الأصل هو تطوير أدوات التعليم قبل تطوير المحتوى، تطويرا علميا، وماديا. صحيح أن هناك محاولات، لكن الواقع مخيف، والمستقبل مجهول، خصوصا أن النمو السكاني مطرد، ووسائل العصر في تطور متسارع.

هذه ليست عظة، ولا «فشة خلق»، بل حقيقة واقعنا، وإن تفاوت. وإلا فكيف يهون علينا أن نرى طفلا في العاشرة من عمره يعتقل في العراق مرتديا حزاما ناسفا؟ متى نقول كفاية؟ متى نقول لا؟ كيف نسكت عن تحزيم الأطفال، والنساء، بالأحزمة الناسفة؟ إلى متى نسكت عن تفجير دور العبادة، وتفخيخ البشر والحيوانات، وحتى نعوش الموتى؟ أوليس ديننا من علّمنا أن لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدا، ولا امرأة، ولا كبيرا، ولا منعزلا بصومعة، ولا أسيرا، وأن لا تقربوا نخلا، ولا تقطعوا شجرة، ولا تهدموا بناء؟

لماذا لا نعترف بأن لدينا خللا حقيقيا، ونتحرك، ونترك عنا الأعذار الواهية؟

[email protected]