شجون المرأة العربية

TT

تعليقا على ما أوردته من أشعار الدارمي الشعبية المحملة بهموم المرأة العراقية وسخطها على مجتمعها، بعث إلي الدكتور كاظم حبيب من ألمانيا بالأبيات التالية من قصيدة محمد صالح بحر العلوم الشهيرة «أين حقي؟» التي شاطر فيها هموم العراقيات وعبر عنها قائلا:

وفتاة ما لها غير غبار الريح سترا

تخدم الحي ولا تملك من دنياه شبرا

وتود الموت كي تملك بعد الموت قبرا

وإذا الحفار فوق القبر يدعو:

أين حقي؟

غير أن زميلا آخر كتب لي يقول إن أشعار الدارمي ليست حقا من كلمات المرأة، وإنما كتبها رجال عن لسانها. وهذا منتهى ما يمكن أن تقع فيه المرأة من حضيض: أن يستولي الرجال حتى على حقها في التعبير عن همومها.

تعرض لهذا الموضوع، موضوع الذكورة والأنوثة، السيد علي التميمي من الرياض. فقال عن لسان زوجته، الجامعية وخريجة هارفارد، إنها ترى من المعقول والواجب أن تمشي المرأة دائما وراء الرجل وتكون خلفه. من المؤسف أن الأخ التميمي لم يعطنا رأيها بالكامل بكل ما حداها لهذا الاعتقاد. ولكن من الظريف أن الرجل هنا أيضا يتقدم ويتكلم باسم المرأة وعن لسانها.

بيد أن لي رأيي في الموضوع، كعادتي في أي موضوع. أعتقد أن الأمر يرتبط بالحرب والقتال. فحتى الحرب العالمية الأخيرة، لم تكن المرأة الأوروبية تشارك الرجل في السير للقتال. كانت تقاليد الفروسية عندهم تقضي أن يلبس الفارس دروعه ويسير إلى القتال باسم امرأته ويعود ليتغنى بجمالها فيقدمها لأصحابه. وكثيرا ما كانت تجري المبارزة وهي تطل عليه من شرفتها. وربما لم تشارك المرأة في القتال لأنها لا تستطيع حمل هذه الدروع الثقيلة، وإن استطاعت جان دارك لبسها.

وعلى العكس، عرف عن المرأة العربية مصاحبة الجيش في مسيرته، واشتراكها معه أحيانا في القتال كما فعلت خولة بنت الأزور. وكان تكتيك القتال عند العرب يقوم على تواجد النساء في المؤخرة، يقمن بتشجيع الرجال بأهازيجهن وأشعارهن، ويسعفن الجرحى. وكلفهن خالد بن الوليد في معركة اليرموك أن يحملن السلاح والهراوات ليرددن الهاربين من القتال. وبهذا الترتيب يدرك المقاتل العربي أن امرأته وراءه ستخزيه إذا هرب، وستقع في يد العدو إن لم يحمها. وهكذا اعتاد العراقي أن ينادي باسمها عندما يقاتل. يضرب ويهتف: «أنا أخوك يا فاطمة» أو «أنا ابنك يا حسنة» والفولكلور العراقي يضم صفحات مجيدة عن دور المرأة في هذه المواجهات. فعندما فرض الإنجليز على الثوار تسليم بنادقهم بعد استسلامهم وفعلوا ذلك. خرجت إحدى بنات شيوخ آل السعدون، ألقت بفوطتها على الأرض ونثرت شعرها على وجهها وراحت تضرب على صدرها وتنشد هذه الهوسة تخزي بها الرجال: «يا مجاري الهيبة ويا الهيبة!» ما إن سمع الثوار هوستها حتى هجموا ثانية على الإنجليز واستعادوا أسلحتهم وهيبتهم.

أعتقد أن هذا الدور القتالي للمرأة العربية كخط ثان للمعركة هو من عوامل تقاليد المرأة في السير وراء الرجل.