القوى الجديدة

TT

عالم مضطرب ولن يستقر. خلال قرن واحد شهد حربين عالميتين وحروبا شبه عالمية في آسيا وأفريقيا وأوروبا. وشهد نهاية ثلاث إمبراطوريات: بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي. واختلفت خريطة النفوذ السياسي فيه وجوهر الأنظمة الكبرى من القيصرية إلى الشيوعية إلى الرأسمالية في روسيا وإلى رأسمالية مراقبة في الصين. وكان ستالين يهدد المارشال تيتو قائلا: «يكفي أن أهز خنصري فيزول». وزال ستالين والستالينية وبقي تيتو حتى يومه الأخير. لكن ما إن غاب حتى تفتتت خلفه يوغوسلافيا إلى أربع دول غير شيوعية. وشهدنا انفصال تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين. وفجأة أصبح العالم من قطب واحد بدل القطبين.

ما هو شكل عالمنا اليوم؟ إنه يتخذ، بهدوء، ودون إعلان، وجها مختلفا. نحن الآن أمام أربع قوى عالمية، ولو أنها لا تسمي نفسها كذلك، أو لم يبدأ الآخرون بتسميتها بعد: لا تزال الولايات المتحدة هي القوة الأولى، بسبب الاقتصاد والعسكريتاريا والتكنولوجيا. وأوروبا الموحدة هي الإمبراطورية الثانية، بسبب التطور والاقتصاد وتنوع الشعوب. والصين هي الإمبراطورية الثالثة بسبب الاستقرار السياسي ونسبة النمو المذهلة وطاقة الصيني - مثل الياباني - على العمل والصبر والإنتاج. والقوة الإمبراطورية الرابعة هي روسيا بسبب ثروتها النفطية والغازية الهائلة، والاستقرار الذي حققه فلاديمير بوتين بعد مرحلة الفوضى في ظل يلتسين والمرحلة الانتقالية في مرحلة غورباتشوف.

ما هو المقياس في تصنيف هذه القوى؟ أميركا. على الرغم من الوهن الاقتصادي والعسكري الذي أصابها، وعلى الرغم مما حققته الصين اقتصاديا وعسكريا، لا يزال الفارق شاسعا. وأما الهند، فعلى الرغم من المليار نسمة والتقدم العلمي، لا تزال دولة إقليمية كبرى، وفي مناخ شديد الاضطراب، إذ تحيط بها أفغانستان وباكستان وبنغلاديش وسريلانكا، وهي دول لم تحقق أي تقدم يذكر وتطوق الهند بطوق من الحروب والعداء وعدم الاستقرار.

تضم الوحدة الأوروبية، بدورها، دولا إمبراطورية سابقة وشعوبا قابلة للتطور: بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، هولندا، إسبانيا، البرتغال، بلجيكا. وتضم أوسع لغتين انتشارا في العالم، الإنجليزية والإسبانية. وهي مهد الثورة الصناعية (بريطانيا) والنهضة الفكرية (فرنسا) والنهضة الفنية (إيطاليا). وقد زالت جميع الظلال الإمبراطورية في القارة، لكن العصور تحولت إلى تراث فريد في تنوعه وحجمه وقيمته المادية.