العلم يذبح الأخلاق!

TT

نجحت تجارب العلماء على الفئران. فقد أفلحوا في أن جعلوا الفئران تنسى ما كان يخيفها. أي تنسى الألم والحيرة. ولنفرض أنهم اتجهوا إلى الإنسان. وتدخلوا في مخه وحاولوا مسح الأحزان والمآسي التاريخية في حياته. فينسى ما لقيه في كفاحه من أجل أسرته ومن أجل بلده.. أي مسحوا تاريخه والدروس المستفادة. وهذا يؤكد نجاح تجاربهم للقضاء على الألم والنقط السوداء في ذاكرته. فينسى ما فعله هتلر وستالين وصدام. وهكذا يصبح تاريخه أبيض ناصعا. وتنسى الشعوب ويلاتها والقهر والعذاب الذي تجرعته على أيدي أبنائها..

هنا يصبح النسيان نوعا من السلام الكاذب والفضيلة المصطنعة. ويكون ذلك أسوأ ما جرى للإنسان. ويكون العالم قد قضى على القيم الأخلاقية والوطنية..

وقديما تساءل الفيلسوف الفرنسي روسو: هل العلم يؤدي إلى إفساد الأخلاق؟ والجواب من ثلاثة قرون بـ«نعم». ومعنى ذلك أننا نضحي بتاريخ الحضارة من أجل أن ينام الإنسان قرير العين ساعة أو ساعتين من ليله ونهاره.. ومعناه أن يذهب صدام حسين كبيرا إلى جنة الخلد، وأن يجلس ماو تسي تونغ على عرش مصنوع من جماجم الملايين، وأن يمشي ستالين على أرض جفت عليها دماء الأبرياء في روسيا. وأن يكون لصدام زفة يومية. كل يوم له عروس مثل شهريار وبدلا من أن يقتلها كما جاء في ألف ليلة وليلة فإنه يترك العروس ويبيد المدعوين إلى هذا الزفاف.

وليس أسوأ من الأثر العلمي بهذه الصورة على حضارة الإنسان. ولن نستطيع أن نمسك أيدي العلماء عن تجاربهم على الفئران انتظارا لدورنا في أن نكون الفئران التي قصر لسانها وطال ذيلها. ونبتت لها بدلا من الأيدي أرجل أخرى.. وهذه كارثة على الأخلاق صنعها العلم الحديث.. وهي مرحلة تاريخية تقضي على كل كفاح للإنسان من أجل الحياة الكريمة والسلام والتقدم!