لا تستحقونه

TT

في نيسان 2009 كتب حامل نوبل للآداب خوسيه ساراماغو، أنه لو كان لهذا العالم شعور وذكاء يوازيان مقدرته على إعطاء العظماء، لتذكر وفاة محمود درويش كما يتذكر بابلو نيرودا. فهو، محمود درويش، يمثل الشهادة الدائمة والمستديمة للشعب الفلسطيني. وهي شهادة تبدو بلا نهاية أو خاتمة.

أن تقرأ محمود درويش، يقول نوبل اللغة البرتغالية، ليست فقط تجربة جمالية في الشعر، بل هي أيضا تجربة على طريق الأحزان والظلم «في أراضي الفلسطينيين الذين عانوا من وحشية الإسرائيليين، الذين وصفهم الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان، في لحظة حقيقة، بأنهم غرباء عن كل مشاعر الرأفة».

قبل وفاة محمود درويش بفترة، صدر في بيروت كتاب يحمل توقيع امرأة ناشئة، قرأت عنه ولم أكبد نفسي دقيقة واحدة أن أقلب صفحة فيه، يقول إن محمود درويش خدم بشعره إسرائيل والإسرائيليين والصهيونية. جلست أنتظر رد فعل الكتاب والنقاد والناشرين والناس على مثل هذه السفاهة الوقحة والغبية. وعبثا انتظرت. واعتقدت بادئ الأمر، أن مؤسسة الشعراء والكتاب والناشرين العرب، تخشى أن تمنح امرأة مبتدئة، الشهرة التي تطلبها من خلال تعرض ساخر ورخيص لأهم شاعر في تاريخ فلسطين. إذن، في هذه الحال، أين منظمة التحرير؟ أين هيئة الكتاب الفلسطينيين وصديقنا يحيى يخلف؟ أين اللجنة التنفيذية؟ أين الرجال الذين كانوا يفاخرون بأنهم أصدقاء محمود وأنهم ينتمون إلى عصره وشعره والهوية الفلسطينية التي حولها إلى ذائقة شعرية جميلة في صدور العالم أجمع؟

ومر الكتاب. ولا بد أن له ناشرا، بالإضافة إلى المؤلفة الأمينة والعاقلة والعبقرية! ولا بد أن له أيضا مطبعة. ففي العالم العربي لا يرسل إلى السجن المؤلف والناشر فقط، بل صاحب المطبعة أيضا. وأحيانا جامع الأحرف، كما حدث في عهد الرئيس السادات، الذي طارد أشباح معارضي التطبيع حتى في أقبية الصحف وكهوف العمال.

إنني أقرأ ساراماغو منذ سنوات بمتعة أدبية عميقة. دائما أتعلم منه ودائما أستدل على القضايا الإنسانية، في عالم بالغ التوحش وشديد الوقاحة وخارج على القانون والأعراف وبديهيات الأخلاق. هذه المرة ذكرني ساراماغو بحجمي الصغير. حين قرأت عما كتبته تلك المرأة عن محمود درويش، اعتقدت أنه سوف يرد. أو سوف يطلب من أحد أن يرد. أو أن منظمة التحرير التي كانت تهدد الشعراء والكتاب والمعارضين سوف تتحرك. ولم يحدث. كان لا بد من شهادة البرتغالي حامل نوبل. فنحن قوم لا نستحق أبرارنا. لا بد من مساعدة برتغالية.