إنقاذ الرأسمالية من «وول ستريت»

TT

ما هي النقطة التي يصبح عندها الوجود المطلق للأغنياء غير المستحقين للثراء مزعجا للغاية في دولة ديمقراطية لدرجة أنه يثير رد فعل يسيء بطريقة غير مناسبة إلى الرأسمالية بالكامل؟

هذا هو سؤالي إلى بوب روبين وتشارلز برينس، الرؤساء السابقين لـ«سيتي غروب»، عندما أدليا بشهادتيهما أمام لجنة التحقيق في الأزمة المالية يوم الخميس الماضي. على الرغم مما سبق، فإنني سأضع السؤال بهذه الطريقة: كيف حققتم يا رفاق الكثير من الأموال من تدمير «سيتي غروب» ووضعتموها تحت وصاية الدولة؟

حصل برينس على الأقل على 120 مليون دولار مقابل إدارة «سيتي غروب» لمدة أربعة أعوام، انخفضت خلالها القيمة السوقية للمؤسسة بواقع 64 مليار دولار. وحصل روبين على الأقل على 115 مليون دولار (إلى جانب خيارات الأسهم، وهو شكل من أشكال التعويض القائم على الحوافز يكون للموظف بموجبه الحق في شراء أسهم بأسعار الوقت الذي صدر فيه هذا التعويض) بين عامي 1999 و2008، قبل أن يضخ الاحتياطي الفيدرالي 45 مليار دولار ويضمن بعد ذلك 300 مليار دولار من التزامات الشركة لمساعدتها على مواصلة العمل.

وصرح روبين لصحيفة «وول ستريت جورنال» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008 بأنه كان يستحق كل سنت، وأكثر من ذلك. وقال: «أراهن على أنه لم يكن هناك عام واحد كنت أستطيع خلاله أن أذهب إلى أي مكان آخر وأحقق المزيد».

ويبدو أن هذا المعنى من استحقاق الربح من أنظمة تعويضات مزيفة هو المعنى السائد في النظام المالي: ونجا كل من كين لويس رئيس «بنك أوف أميركا»، وستان أونيل رئيس «ميريل لينش»، وكيري كيلينغر رئيس «واشنطن ميوتشوال» (أذكر ثلاثة فقط بأسمائهم) من حطام الشركات التي كانوا يديرونها وهم على درجة كبيرة من الثراء. ويفسر هذا النمط الكثير بشأن الأزمة التي دمرت بنوكنا، وخلفت 15 مليون عاطل، وأدت إلى تلاشي منتجات قيمتها تريليونات من الدولارات، وأثقلت الحكومة بديون ضخمة، ودمرت المصداقية الاقتصادية لأميركا. (كنت في شنغهاي الأسبوع الماضي، وثق بي، كان الصينيون سعداء بنسخ الاسطوانات المدمجة الخاصة بنا، لكنهم لا ينظرون الآن إلى الرأسمالية الأميركية على أنها نموذج يحتذى به).

وعلى الأقل اعتذر أكيو تويودا (رئيس شركة «تويوتا»). يشعر سادة العالم لدينا أنهم مستثنون من المساءلة أو العار. وخرجت طريقة التفكير السامة لدى الممولين الأميركيين سالمة من الأصول السامة التي أطلقوها. وإذا كنت بوب روبين فإن ذلك يعني أنك لا تعتذر على الإطلاق.

واللغز في الأزمة المالية هو: كيف استطاعت بعض المشكلات في فئة صغيرة نسبيا من الأصول، مثل قروض الرهن العقاري ذات التصنيف الائتماني المنخفض، أن تدمر الاقتصاد؟ وصلت خسائر هذه القروض، التي بلغت قيمتها تريليونات من الدولارات، إلى نحو 300 مليار دولار. كيف يمكن لهذا المبلغ من المال أن يشكل مصدر تهديد لاقتصاد قيمته 15 تريليون دولار، أي أكبر من قيمة هذه الخسائر بنحو خمسين مرة؟ وبهذه الصورة، لم تكن هذه الكارثة محتملة.

فلماذا حدثت إذن؟ الجزء الكبير من الإجابة عن هذا السؤال هو أن هذا السم الصغير في النظام انتشر بسبب الرهانات الثانوية والروافع المالية. وظهرت فجأة قطاعات جديدة من «المشتقات» المالية، التي كان الغرض الوحيد منها هو المقامرة على مصائر هذه القروض. وعلى افتراض أن مؤسسات لديها خبرة عملية اقترضت مبالغ كبيرة لتقوم بهذه الرهانات، فمن المهم أن يكونوا واضحين في ذلك: إن اقتراض مبالغ كبيرة من أجل المقامرة، وهو النشاط الذي يحتقره عادة الأشخاص الأسوياء، هو الطريقة التي يؤدي «أفضل وأذكى» الأشخاص في وول ستريت عملهم وفقا لها.

وعلى الجانب الآخر، كانت وكالات التصنيف، التي هدفت إلى تحديد مدى سلامة القروض التي دعمت هذه الرهانات، نائمة، أو متكاسلة عن أداء وظيفتها، أو تمت مساومتها بالأرباح التي حققتها عن طريق بيع موافقتها.

وفيما وراء هذه الخدع تكمن المشكلة الحقيقية، وهي الحقيقة التي تقول إن بضعة آلاف من كبار العاملين في وول ستريت من الممكن أن يظلوا (أو يصبحوا) على درجة عالية من الثراء حتى وإن انهارت هذه الهيئة الواهنة. وكان ذلك بدوره ممكنا فقط نظرا لممارسات الدفع التي أغدقت المكافآت على الفور حتى وإن كانت الأوراق المالية المدعومة بقروض الرهن العقاري، والتي استندت إليها هذه المكافآت، مقدر لها أن تنهار، ولأن هيكل الملكية العامة للشركات الرئيسية يشير إلى أن جميع هذه القروض والرهانات تمت بأموال أشخاص آخرين. ولم تكن الشراكات الاستثمارية الخاصة والقديمة في وول ستريت لتراهن بصافي ثروتها على سلعة تنطوي على الكثير من المجازفة.

وفي كتاب «The Big Short»، وهو بمثابة نظرة رائعة على الأزمة من وجهة نظر مستثمرين بعيدي النظر راهنوا ضد الجنون التقليدي، يرى مايكل لويس أن المشكلة تكمن في نظام الحوافز الذي قاد إلى الطمع اليومي في وول ستريت. ويقول لويس: «والشيء الغريب هو أن جميع الأشخاص المهمين على جانبي المقامرة تركوا الطاولة وهم أغنياء».

وكتب لويس عن انهيار قروض الرهن العقاري قائلا: «كان الرؤساء التنفيذيون لجميع الشركات الرئيسية في وول ستريت.. على النهاية الخاطئة للمقامرة. حيث إن جميعهم من دون استثناء قاد المؤسسات العامة التي يرأسونها إلى الإفلاس أو أن حكومة الولايات المتحدة أنقذتهم من الإفلاس. وجميعهم أصبحوا أغنياء كذلك».

وهذه ليست الطريقة التي من المفترض أن تعمل الأسواق الحرة وفقا لها. هذه هي الفضيحة التي ينبغي للجنة التحقيق في الأزمة المالية والكونغرس أن يتحدثوا بشأنها، ويصلحوها. وإذا كنت تعتقد (مثلما أعتقد) أن رأسمالية السوق المنظمة ببراعة هي أفضل أمل لنشر الرخاء، فمن الضروري إنقاذ الاقتصاد الأميركي من الانحراف في وول ستريت والذي يهدد بتشويه سمعة النموذج الأميركي كلية.

* باحث كبير في مركز التقدم الأميركي ويشارك في تقديم البرنامج الإذاعي «اليسار واليمين والوسط».

* خدمة «واشنطن بوست»