لدينا شعار جديد.. من يريد؟

TT

الخبر يقول، كما نشر في هذه الصحيفة، إن جماعة الإخوان المسلمين في مصر تدرس تغيير شعارها الشهير «الإسلام هو الحل» إلى شعار بديل، تحسبا لعراقيل الحكومة، خصوصا بعد أن تم التشديد في مواد الدستور والقانون على حظر العمل بالسياسة على أساس ديني، ويضيف الخبر أن الجماعة تدرس، رفع شعارات أخرى، بخلاف أو إلى جانب، شعار «الإسلام هو الحل»، وتقول الجماعة حسب نص الخبر: «إن هذا الشعار أثار تحفظات قانونية وسياسية كثيرة». وكان طلاب الإخوان في الجامعات المصرية قد استبقوا التفكير الرسمي للجماعة، أو بالأحرى موقفهم الجديد، فرفعوا شعارا بديلا يقول: «نحمل الخير لمصر». في الانتخابات الطلابية الجامعية، وقالوا، كما يشير الخبر، إنهم رفعوا هذا الشعار الجديد تخفيفا للضغوط الأمنية.

كيف كان موقف القيادي «الإصلاحي» في هرم القيادة الإخوانية، عصام العريان، من هذا الشعار الشبابي؟ «أفتى» العريان بأن شعار الطلاب الجديد لا يتنافى مع شعار الإخوان الأثير والمقدس: «الإسلام هو الحل»، باعتبار أن شعار «نحمل الخير لمصر» هو جزء من شعار أكبر وأشمل هو شعار «الإسلام هو الحل»! ولا تنتهي الدهشة هنا، بل يزيد «لاعب الوسط» الإخواني المزيد من الدهشة والإدهاش فيقول: «لكل مرحلة الشعارات التي تناسبها». وقال العريان: «شعار (الإسلام هو الحل) يمثل هوية الإخوان».

طبعا للإخوان «تخريجاتهم» الخاصة في «تطبيع» هذا الشعار الديني الصارخ، في شرايين الدولة المصرية «المدنية» أتحدث هنا بالمعيار الدستوري، لا التطبيق الخاص بالنظام ورجالاته، ولأن الإخوان يشعرون بهذا المأزق الدستوري الكامن في أحشاء هذا الشعار، فإنهم خرجوا بالحل أو الحيلة التالية: من قال إن شعار «الإسلام هو الحل» يتنافي مع دستور الدولة المصرية المدنية؟ أبدا، هكذا يقول رجل مثل محمد حبيب، نائب المرشد السابق، ويعتقد أن رفض هذا الشعار يعني رفض دستور الدولة المصرية الذي تتضمن فيه المادة الثانية أن الإسلام دين الدولة. ويقول «الحبيب» إن من يصطدم بشعار الإسلام هو الحل فهو «يصدم ويعارض النظام العام للدولة». لكن الصحافي الذي كتب الخبر، محمد حسن شعبان، نبه في إشارة ذكية إلى أن حبيب لم يشر إلى المادة الخامسة من الدستور ذاته الذي استشهد به محمد حبيب، وهي المادة التي تحظر العمل السياسي على أساس ديني. الجدل لن ينتهي، وسيجد منظّرو الإخوان وساسته المخارج والحيل اللفظية والعاطفية، والدستورية أيضا، وليس هذا بغريب، على الإخوان وغير الإخوان، نتذكر هنا كيف غير المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، اسمه إلى المجلس الأعلى الإسلامي، مسقطا كلمة الثورة منه، ودافع عن هذا التغيير زعيم المجلس عبد العزيز الحكيم، بعد أن ضمِن حصة مجلسه في الحكم الجديد، وكيف أن الإخوان المسلمين في الكويت بعد التحرير 1991 سموا أنفسهم بالحركة الدستورية الإسلامية واختصارا (حدس). وذلك تماشيا مع ازدياد الحس الوطني الكويتي المطالب بعودة الدستور والحياة النيابية للكويت بعد الغزو. وحاليا فإن اسم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي ليس إلا واجهة لحزب الدعوة الأصولي في العراق.

بالعودة لمصر، ربما كان كل هذا أمرا مفهوما في ظل احتدام التنافس السياسي على السلطة وحكم بلاد الكنانة، خصوصا مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية هذا العام.

تزداد حرارة الكلام وتكثر الحجج، بغثها وسمينها، ضد كل منافس، في أجواء الصراع السياسي الانتخابي.

ليس الغرض تزكية طرف سياسي عربي على حساب آخر، في مصر وغيرها، هذا موضوع مختلف، وله سياق مغاير في الكلام، لكن الغرض هنا تحديدا التوقف عند هذه «المرونة» الظاهرة في تغيير وتحوير شعارات يفترض أنها مقدسة، و«ثابتة» عصية على التغيير، حسبما يقرع آذاننا دوما حراس «الثوابت».

ما يفعله الإخوان، في مصر وغير مصر، لا يفعله إلا لاعب سياسي، يخضع للتغيرات والظروف والتحولات، حتى عصام العريان، في خضم دفاعه عن شعار الإخوان وديمومته، أقر بوجود مرونة وقابلية للتغير حسب موقف الطرف المعادي له، السلطة المصرية هنا، فإن كانت متسامحة أو «مطنشة» فيطرح الشعار الإخواني المقدس بكل سفور، وإن كانت يقظة و«مفتحة»، فلا بأس، يبحث عن «موضة» ثانية من الشعارات تناسب المرحلة وذوقها ولا تنفي أسس الشعار الحاكم..

ماذا يعني هذا؟ يعني أن الشعار ليس هو المهم بل ما يوصل إليه الشعار! وهو السلطة والحكم عبر الركوب على حصان الدين الرابح، في مشاعر العامة. الحق أن إخوان مصر كانوا ماهرين في التنقل والتحول، فقد تحالفوا مع حزب الوفد المصري الليبرالي في فترة ما لأنهم كانوا يعملون في السر والحظر، وقبيل سنوات، تحالفوا مع بقايا اليسار والناصرية المصرية تحت شعار حركة (كفاية) للتغيير، وهي حركة كان أساس انطلاقها (منتصف 2004) محاربة التوريث، ثم طورت مطالبها وخطابها باتجاه خطاب سياسي ثوري، داخليا وخارجيا، يريد إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، وتثوير السياسة المصرية ليصبح النظام المصري راديكاليا ثوريا، صحيح أن الرمزين الإخوانيين: عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح كانا من موقعي البيان التأسيسي للجماعة، ولكن ذلك لم يكن كافيا ليطمئن عتاة الناصرية واليسار إلى «طهارة» الإخوان من مطامع السلطة والسياسة، وهو ما حدا بأحد صقور «كفاية» عبد الحليم قنديل، في وقت سابق، إلى التشكيك، في أكثر من مناسبة، بنوايا الإخوان إزاء مبدأ التوريث، والتواصل مع إسرائيل لو صار لهم نصيب في الحكومة أو الدولة. وذكر قنديل بتصريحات لعصام العريان نشرت في أكتوبر(تشرين الأول) 2007، قال فيها إن «الإخوان لو وصلوا للحكم سيعترفون بإسرائيل ويحترمون المعاهدات». والحق إننا لا نستطيع تأكيد ما قاله قنديل عن العريان، وليس مهما أن يكون صحيحا أم لا، بل المهم هو كيف يرى أحد رموز الناصرية من حركة كفاية موقف الإخوان المسلمين الآن، فالمهم أحيانا كيف يراك من معك وليس كيف ترى أنت نفسك؟

هذه الهوامش البراغماتية التي ميز بها الإخوان أنفسهم عن حركة «كفاية»، لها ما يفسرها، فهي أولا:

بسبب اختلاف المنطلقات والأسس الآيديولوجية والثقافية الحاكمة، خصوصا موضوع التوريث، غير المنبوذ تماما في الخيال السني السياسي، طبقا لتنظيرات الماوردي وغيره، وإن كان هذا الموقف من مبدأ التوريث لدى الإخوان قابلا للتصعيد والتخفيض حسب المصلحة الآنية للإخوان، فإن صعّدوا رفضا، فهذا مفرح لـ«كفاية» وللثقافة الديمقراطية الدولية، وفيه نكاية بأنصار التوريث، وفي حالة التخفيض: فهو ورقة قد يستخدمها الإخوان في حالة التفاوض على موقعهم ومستقبلهم، وله قاعدة شافعة من الإرث الفقهي السياسي.

وهي ثانيا: لأنه لدى الإخوان ما يخسرونه وما يكسبونه في السياسة، كما لهم ثقل حقيقي على الأرض وبمجلس النواب، عكس مثقفي «كفاية» الذين يملكون بعض المحابر والمنابر.

هذه الكلمات حول علاقة حركة (كفاية) والإخوان سبق أن ذكرها كاتب هذه السطور في (5 أغسطس (آب) 2008)، وأرى أنها صالحة لحد الآن لقراءة سلوك الإخوان المصريين، وغير المصريين، إزاء التناقض بين متطلبات السياسة وواجبات العقيدة الحاكمة.

المشكلة مع الإخوان، وكل حركات الإسلام السياسي، هي أنهم يتحدثون بلغتين، ويملكون وجهين، فهم إن أحرجوا سياسيا أو طولبوا بتنازلات معينة لجأوا إلى حصانة الدين وذكروا بخطورة التنازل عن الثوابت، وإن أتاهم أحد من جهة الدين، وقال لهم كيف تتخلون عن الجهاد في سبيل الله (مثلما تصنع حركات الجهاد في غزة ضد حماس الآن) أو تتهاونون في قضية المرأة والترفيه والفن.. إلخ أتوا من بوابة السياسة و«المصالح الشرعية».. وضرورات السياسة.. وهكذا هم يكسبون من السوقين، سوق الدين وسوق السياسة، وينعمون بجنة الدنيا وجنة الآخرة!

لماذا هذه الفوضى؟ أعتقد أن الحياة السياسية العربية وثقافتها الحاكمة هي السبب الأول في ازدهار مثل هذه الحركات التي تنمو في ظل أجواء الإحباط والأمية الثقافية والخدر النقدي العام، لو كانت هناك تنمية حقيقية ونهضة في العلوم والنقد، ولو كان هناك رفاه اقتصادي ومنظومة قضائية عدلية متينة، لما عشنا في أجواء الرثاثة والإحباط النفسي، وهي الأجواء المثالية لنمو حركات بيع الأمل الأخروي والخلاص الملحمي، حيث يظهر المخلِّص ويقضي على الظلم، كما يشي به شعار الإخوان «الإسلام هو الحل» وهو شبيه بشعار العباسيين ضد الأمويين «البيعة للرضا من آل محمد» الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كلها شعارات تبيع الأمل الناجز، المنتظر فقط، حتى يتحقق، وصول باعة هذا الأمل إلى سدة الحكم..

ليت الإخوان يفكرون لاحقا في شعار آخر، لا أدري متى تقتضيه الظروف، يكون: «المسلمون هم الحل»! فالبشر هم محور وهدف ومجال أي حركة تدب على هذه الأرض.. كما أتوهم!

[email protected]