هل يعقل يا ساسة العراق؟

TT

هل يعقل أن يدار الملف الأمني على المستوى الوطني بهذه الطريقة المتخلفة؟ وهل ينبغي التفكير بطريقة أخرى لمعرفة نوايا بعض السياسيين وتخيلاتهم وأهدافهم؟ فالمعروف عن الحكومة الحالية فشلها في كل شيء. خارجيا؛ تعيش عزلة عربية، وحولت العراق إلى ضيعة من بلاد المرشد. اقتصاديا؛ كانت بارعة في تبديد مئات بلايين الدولارات ووزعت الثروات بطريقة مجحفة؛ فبينما تأخذ محافظات نحو ثلاثة بلايين دولار سنويا لكل منها، خصص العام الحالي مبلغ 100 مليون دولار فقط لمحافظة صلاح الدين، التي لم تعط مقعدا واحدا للمالكي. ومهما أخذت الرواتب الشهرية وغيرها بالاعتبار فإن نسبة التباين تبقى عالية جدا. وسبق أن فرضت الأمم المتحدة تخصيص نسبة من قيمة مبيعات النفط إلى المحافظات الكردية طيلة مدة فرض العقوبات على العراق، فأين الأمم المتحدة من ملايين المهجرين خارج العراق؟ ولماذا لا تفرض لهم نسبة من الواردات بدل تركهم يعيشون ظروف عوز شديد في دول الجوار؟

وإذا كانت خبرة السياسيين من فريق المالكي بهذا المستوى من الفشل والتمييز في جوانب الحياة العادية، فكيف يمكن توقع نجاح في مجال الأمن، الذي يتطلب مهارات وهدوءا وثقة وحيادية وقيادة مستقرة؟

لقد تمكن إقليم كردستان من تحقيق أمن مميز نتيجة طي صفحة الماضي محليا. لكن العقول والقلوب المريضة بالحقد من الطائفيين والفئويين من العرب لم تغيرها الطروحات والدروس والعبر، ومما يدعو إلى السخرية والسخط أن هؤلاء يتحصنون خلف الأسوار ويتركون الفقراء والأبرياء عرضة للأعمال الإجرامية، التي كان بإمكانهم إجهاضها وإزالة فرص نجاحها لو عرفوا معنى التعايش الوطني.

قبل أيام قليلة، حصلت مجزرة في منطقة هور رجب راح ضحيتها 25 شخصا، أثيرت حولها شكوك كثيرة. وفي اليوم التالي حدثت هجمات السفارات، وبدل توجيه جهد الدولة في المكان المنكوب، ومن دون رابط جغرافي وأمني، وقبل أن تجف دماء الضحايا، نفذ أربعون ألف جندي وشرطي عملية كبرى في محافظة ديالى، التي كان فشل المالكي في تحقيق اختراق في الشريحة الأكبر فيها فظيعا. وما جدوى القوات الضخمة إن لم تكن قادرة على تأمين حماية الناس؟ أما الادعاءات بالكشف بعد وقوع الجريمة «انتقاء من بين الجرائم» فقد ملّها العراقيون وباتت موضع سخرية.

هل يعقل بقاء تنظيم القاعدة بهذا المستوى من القدرات على الرغم من الجهد الهائل الذي وجه ضده؟ وكيف يمكنه الاحتفاظ بتجهيزات غير متاحة في الأسواق؟ ومن أين له أسلحة مجهزة بكواتم الصوت؟ وكيف يمكنه دفع قوة واجب من مكان إلى آخر والسيطرات لا تغيب عن خط النظر؟ ولماذا يَخترق في منطقة دون أخرى؟ وكثيرة هي التساؤلات التي لم تعد خافية على أحد!

سنة 2010 تختلف عن 2005، ولا يمكن «لأي سبب»، تهميش شريحة لها ثقلها ووجودها، والعزف على أسطوانة التخويف من البعثيين أصبح ضجيجا مثيرا للسخرية. فمعظم كوادر البناء والعلم كانوا بعثيين، ولا بد من مشاركتهم في إعادة بناء الدولة، ولا أقول «إشراكهم»، لأن كلمة «الإشراك» قد تعني المنّة عليهم.

أحد أكبر أسباب محن السنوات الأربع الأخيرة أن المالكي ركز على الأخذ بآراء أشخاص من أحد فروع حزب الدعوة، كانوا يحلمون بسيطرتهم على العراق، متجاهلين استحالة سيطرة حزب واحد على مقدرات البلاد، فكيف إذا كان حزبا صغيرا؟ وأهمل آراء القادة السياسيين ممن كان لهم دور كبير خلال مرحلة المعارضة وبعدها، فاتخذوا موقفا واضحا منه جعل إعادة توليه رئاسة الحكومة ضربا من الخيال، ولهم الحق في ذلك.

ومن الآن فصاعدا، يفترض وقف السلوك الأمني العشوائي والاعتقالات الكيدية، وفي كل حالة اعتقال يجب أن تكون الأسباب معروفة ومعلنة ولفترة محددة وفق القوانين والأعراف والسياقات الدولية. ومن أبسط حقوق المعتقلين بلا تهم واضحة ولا إدانة أن يطلق سراحهم فورا، وتعويضهم ماليا، وهو ما كنت قد طالبت به قبل أربع سنوات علنا من بغداد. وبخلافه، من حقهم إقامة الدعاوى القضائية.

يذكر أن قياديا من فريق المالكي «عُرف بعد توليهم الحكم»، اعتبر اعتقاله لمدة أسبوعين قبل أكثر من ثلاثين عاما جريمة. فماذا يقول الذين قضوا سنوات في سجون العهد الجديد بلا سبب مقنع؟ وفي المرحلة الجديدة لا يجوز أن تتخذ عضوية البرلمان حصانة لأي سبب، فحقوق المظلومين لا يعلوها تقديس بشري.

لا أمن يتحسن كما ينبغي، ولا لحمة تعود، ولا يمكن توقع توزيع عادل للثروات، إلا بتشكيل حكومة عقلانية تحكم بالعدل والمساواة، تتمتع بمناعة تجاه الخزعبلات الفكرية والحزبية، وتؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع. بلا غلبة ولا استئثار. أما الذين يحلمون بالزعامة، فليعودوا إلى تاريخهم.