الإرهاب النووي والترهيب النووي

TT

لا يمكن لعاقل أن يختلف مع الطرح القائل بأن واحدا من أكبر المخاطر التي يمكن أن يواجهها العالم هي وقوع سلاح نووي في أيدي جماعة إرهابية أو منظمة إجرامية، وهو الموضوع المحوري الذي ركز عليه مؤتمر الأمن النووي في ضيافة الرئيس الأميركي باراك أوباما. ولكن في الوقت ذاته لا يمكن لأحد أن يجادل بأنه يمكن اختزال الأمن النووي في قضية الإرهاب وحده، لأن في ذلك تبسيطا شديدا للأمور. فقضية الأمن النووي أوسع من ذلك بكثير، وما دام هناك سلاح نووي موجود، بغض النظر عمن يملكه، فإن الخطر النووي يبدو قائما ومحدقا بالعالم، والتاريخ شاهد على ذلك.

ألم تكن أميركا هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي استخدمت السلاح النووي، وهي دولة ديمقراطية ليبرالية؟ بمعنى أن الخطر النووي لا يرتبط بأن تكون الدولة المالكة للسلاح النووي ديمقراطية أو ديكتاتورية، إذ إن الاتحاد السوفياتي السابق كان يمتلك أضخم ترسانة نووية، ولم يكن نظامه ديمقراطيا، ومع ذلك فإنه لم يستخدم السلاح النووي إلا للترهيب فقط. كما أن الصين الشيوعية والهند الديمقراطية لم تستخدما السلاح النووي.

كذلك فإن هذا السلاح لا يصبح خطرا لمجرد أن دولة إسلامية تملكه، فباكستان دولة إسلامية تقلبت بين الديكتاتورية والديمقراطية، ومع ذلك فإنها لم تستخدم سلاحها النووي. والخطر بالنسبة لسلاح باكستان النووي ليس في كون الدولة إسلامية بل لأن نظامها هش، وهناك خطر عليها من جماعات أصولية متعصبة تتحدى السلطة المركزية مثل طالبان.

صحيح أن المنظمات الإرهابية تشكل خطرا أكبر وحقيقيا لأنها لا تعمل وفق قواعد تلتزم بها الدول، ولديها قابلية لاستخدام كل أنواع الأسلحة بلا ضابط أو رادع. فتنظيم القاعدة في هجمات سبتمبر استخدم الطائرات المدنية المخطوفة كصواريخ، بقصد إثارة الرعب وإيقاع أكبر عدد من الضحايا. كما أن التنظيم استخدم في عملياته الإرهابية في السعودية وباكستان الأطفال والنساء للتخفي، وفي العراق وأفغانستان كقنابل بشرية. وليس سرا أن التنظيم سعى لاستخدام قنبلة قذرة مشعة، ولن يتوانى عن تملك أو استخدام قنبلة نووية لو وجد الفرصة.

من هنا، فإن وضع وتنفيذ سياسات لمنع وصول مواد نووية مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم إلى أيدي الجماعات الإرهابية أو شبكات الجريمة المنظمة، يعتبر أمرا مطلوبا وملحا، خصوصا أن العالم شهد حركة تهريب لمواد مشعة قامت بها شبكات إجرامية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وقد رأينا بالفعل دولا تقوم طواعية بتسليم مخلفات أسلحة نووية لتدميرها، أو بقايا مواد مشعة لحفظها في دول أخرى تملك وسائل آمنة لحفظها أو التخلص منها. لكن كل هذا لا يمثل سوى خطوة واحدة في مشوار «الأمن النووي» المطلوب للعالم كله وليس لجزء منه. فلكي يكون هناك «أمن نووي» لا يمكن التعامل مع الأمر فقط من منظور الإرهاب، بل لا بد من رؤيته أيضا من منظور الترهيب (الدول التي تملك سلاحا نوويا لترهيب الآخرين) لكي لا تجد دول أخرى المبرر لتملك هذا السلاح في إطار ما يسمى بتوازن الرعب. فالدعوة مثلا إلى شرق أوسط خال من الأسلحة النووية لا تبدو مقنعة في ظل وجود ترسانة نووية إسرائيلية، والتركيز على إيران مع تجاهل إسرائيل يثير أسئلة لا يمكن تجاوزها، وصعوبات أمام محاولات العقلاء الذين يريدون إبقاء المنطقة المضطربة أصلا بعيدا عن مخاطر سباق نووي.

شعار «الأمن النووي» جذاب وأخلاقي، لكن لتحقيقه لا بد من خطوات أخرى جادة لنزع السلاح النووي من أيدي كل من يملكونه، لأنه ما دام هناك ترسانات نووية موجودة، فسيبقى الخطر ماثلا حتى ولو بسبب حوادث في منشأة نووية مثلما حدث في تشرنوبيل، إن لم يكن نتيجة استخدام عسكري على غرار هيروشيما وناغازاكي.