الصالونات الأدبية

TT

لعبت الصالونات الأدبية دورا تاريخيا في إثراء الحركة الأدبية والثقافية عبر مختلف العصور، فشهدت مكة المكرمة والمدينة المنورة ودمشق وبغداد والأندلس مجالس أو صالونات أدبية مبكرة مدت جسور التواصل بين الأدباء، وانعكست آثارها على الحياة الفكرية والثقافية، وشهد القرن العشرون المزيد من الصالونات الثقافية العربية، لعل أكثرها شهرة وحضورا في ذاكرة الأدباء وكتاباتهم صالونا العقاد ومي زيادة في القاهرة.

وفي السعودية لعبت الصالونات الأدبية دورا كبيرا وبارزا قبل إنشاء الأندية الأدبية، واستمرت في عطائها حتى بعد ظهور الأندية، وقام أصحابها بدور بارز في استمرارها وتطورها، ومن هذه الصالونات على سبيل المثال، وليس الحصر: اثنينية عبد المقصود خوجه، وخميسية حمد الجاسر، وأحدية الدكتور راشد المبارك، وأنا والكثير من أبناء جيلي من سكان جدة ندين لصالون اثنينية عبد المقصود خوجه في التعرف على كوكبة الرواد أمثال: أحمد قنديل، أحمد عبد الغفور عطار، أحمد السباعي، محمد حسين زيدان، طاهر زمخشري، حمد الجاسر، حسين سراج «الباشا»، حسين عرب، وغيرهم، ففي ذلك الصالون تواصلت الأجيال، وتفاعلت، وربطتني ببعضهم صلة، يفوح من ذكراها اليوم عبق بهاء أولئك الرجال الرائعين، فما زلت أسترجع صوت القنديل الموغل في «جدّاويته» وهو يقول: «اكتب يا واد عن جدّة، عرّف الناس بمدينتك المشعلقة على صواري المراكب»، ولا أنسى أخلاقيات ذلك الشاعر «الجنتلمان» محمد حسن فقي، الذي كان لقلبه - رغم تقدم العمر - أجنحة العصافير، ورقة الورود، ولا تغيب عن البال والخاطر صورة ذلك الأسمر النبيل طاهر زمخشري، الذي كان يحمل قلبه على كفه ليمنح كل الابتسامات التي تعترض طريقه حبا، رغم إدراكه بأن بعضها يشبه دعاية معجون الأسنان، ليس فيها من الابتسام سوى بريق الأنياب، ولا دماثة وأناقة «الباشا» حسين سراج، وولعه بغرام ولادة بنت المستكفي، ولا تحلقنا حول الأديب والنسّابة الزيدان، وهو يرأف بحالنا من الاشتغال بالصحافة، خشية أن تدركنا حرفة الأدب، وما أدراك ما حرفة الأدب!

وهكذا أجدني مدينا هنا بالكثير من ذكرياتي لصاحب «الاثنينية» الذي فتح - رغم أنف زمن الدرهم والدينار - عقله وقلبه وبيته لحملة النور لننعم بضيائهم.

[email protected]