على طريق الحرير

TT

الأزمة في قيرغيزيا متعددة الوجوه والألوان أيضا. فعندما كانت لا تزال جزءا من الجمهوريات السوفياتية كانت كل مشكلاتها في موسكو وكل الحلول هناك. وحتى لم يكن القيرغيز يريدون جمهورية خاصة لولا حسابات ستالين الذي فرض على هؤلاء الرحل السعداء حدودا ضمن حدوده الكبرى. لكن هذه الجمهورية الصغيرة ترى نفسها محط صراع بين الصين وروسيا وأميركا، التي عبر 30 ألفا من جنودها إلى أفغانستان الشهر الماضي من قاعدة ماتاس في ضاحية العاصمة.

لم تكن ثمة أزمة ألوان أيام الجمهوريات السوفياتية. كان هناك اللون الأحمر وعلى الجميع أن يذعنوا بصرف النظر عن اختلاف الأذواق. بعد انهيار الاتحاد دخلت فوضى الألوان. فعندما قامت «ثورة» أوكرانيا سميت «البرتقالية». وهو اللون الذي استعاره التيار العوني في لبنان دون أي حرج. وعندما قامت الثورة في جورجيا، بلاد ستالين، أعطيت اللون الوردي. ولما وقعت «الثورة» الأولى في بلاد القيرغيز قبل 5 سنوات، استحلى الشباب زهرة التوليب، التي مهدها في ربيع هولندا وعزها في ربيع أوتاوا، حيث لا ثورات ولا انقلابات ولا فورات.

بدل أن يتناوب ساسة قيرغيزيا السلطة تناوبوا الانقلابات وشعار السوسن. وبين عهد وآخر وفرار وآخر وسوسنة وأخرى (تراجع في باب السوسن أغاني فيروز) حمدت زهرة الزهرات، أو بالأحرى وردة الوردات، العزيزة روزا (وردة) أوتنباييفا، التي كانت وزيرة خارجية الرئيس المقلوب في المرة الأولى ثم وزيرة خارجية المقلوب الأخير. الآن، الحكم المؤقت في يدي السيدة روزا، التي لا شبه لها إلا في بلدنا العزيز لبنان، فهي في المعارضة وهي في الحكم وهي بينهما، في تأهب دائم للانتقال من هنا إلى هناك.

حدث ذلك في أوكرانيا أيضا، حيث أوصلت الثورة البرتقالية سيدة إلى الحكم بجميع الألوان الزاهية. ولا بد أن المتربصات والمتربصين في بقية الجمهوريات يبحثون منذ الآن عن ألوان أخرى لكي لا يبدون مقلدين أو مختلفين. وعادة الاستعارة من الغابات والبساتين والحدائق قديمة جدا. نحن في لبنان استعرنا للعلم شجرة الأرز، وهو العلم الذي يحرق في الثورات الممجدة التي تنبع في شوارع بيروت وأزقتها. ووضع الكنديون على علمهم شجرة «الميبل» (القيقب، في القاموس، سامحه الله) وهي تدر العسل الطيب كما تدر الأبقار الحليب.