لماذا العراقيون في السعودية؟

TT

في الوقت الذي زار فيه جل الساسة العراقيين المملكة العربية السعودية، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي دول الجوار لكف الوصاية على بلاده. فهل يعي المالكي حقيقة ما يدور حوله؟ لا يبدو ذلك!

فجل الذين هاجموا إياد علاوي بالأمس على زيارته للسعودية، قبل الانتخابات العراقية، يزورون الرياض اليوم، فما الذي تغير؟ هل تحرروا من ضغوط المالكي، أم تحرروا من عقبة الانتخابات العراقية؟ قد يكون كلا السببين، لكن الأهم هو أن كثرا من الساسة العراقيين قد أدركوا أهمية العودة للمحيط العراقي الطبيعي، وذلك لأسباب داخلية عراقية، وبسبب عزلة إيران، وانقساماتها الداخلية.

الساسة العراقيون أدركوا أن أهمية إيران اليوم تكمن في التعطيل، وليس التسهيل؛ فنتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، ولو بفارق صوتين، كانت بمثابة الضربة الثانية لإيران بالمنطقة، بعد الانتخابات الأخيرة في لبنان، حيث فشل المشروع الإيراني في كلا البلدين، رغم ما فعله الإيرانيون في العراق، ويكفي التذكير هنا بما قاله نائب الرئيس الأميركي عن صرف طهران 100 مليون دولار في انتخابات العراق.

فشل المشروع الإيراني بالعراق لم يكن سببه تدخل دول أخرى، كما يحاول المالكي وغيره القول اليوم، بقدر ما أنه الحس الوطني الذي دفع العراقيين ليصنعوا الفرق، وهذا أمر لا يمكن أن يتجاهله السياسي العراقي، كما أن عزلة إيران الدولية لم تعد سرا، بل وعلى المستوى العربي يجب هنا قراءة تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد عن ضرورة التروي في دراسة مقترح رابطة الجوار العربي الذي دعا إليه الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى، بعناية فائقة.

فحديث الأسد له دلالتان؛ الأولى أن سورية، والعرب، لا يريدون دورا لدول الجوار، وإن كانت تركيا مثلا، لأن ذلك يعني تحجيم الدور العربي، كما أن تركيا باتت دولة عربية، لا جسرا أو وسيطا بين العرب والغرب، أو بين العرب وإسرائيل، مثلما أن العرب أيضا لا يريدون دورا إيرانيا في شؤونهم، وذلك لسببين؛ الأول أن هناك رفضا في الشارع العربي للتدخل الإيراني في قضايانا، وهو ما اتضح في العراق ولبنان، كما أن طهران تواجه عزلة دولية متصاعدة، وانقسامات داخلية ما زالت تربك نظام الملالي في إيران.

كل ذلك يفسر لنا ما دفع الساسة العراقيين للتحرك، وفتح آفاق سياسية جديدة - قديمة، وطبيعية مع الجارة السعودية، بينما يبدو أن المالكي لا يزال يعمل وفق التوقيت الشتوي، ولم يتنبه بعد إلى تغير الفصول في المشهد السياسي من حوله؛ داخليا وخارجيا. وبالطبع نتمنى أن يكون العراقيون ضيوفا دائمين على السعودية ومصر وسورية وكل الدول العربية، كما نتمنى أن نرى التمثيل السعودي في بغداد، لكن السياسة ليست أماني، وإنما مصالح، وحقائق على الأرض، وهذا ما دفع الساسة العراقيين للتحرك الذي نراه اليوم، بعد أن اتضح فشل المشروع الإيراني بالمنطقة، وعزلة إيران الدولية، وربكتها الداخلية.

ولذا، فكل ما يفعله الساسة العراقيون اليوم هو أنهم يتصرفون كالتاجر الشاطر الذي لا يضع بيضه في سلة واحدة، وذلك تحسبا لقادم الأيام.

[email protected]