مصر لن تقدم وجبات أثرية مجانية!

TT

قبل ما يقرب من أربعين عاما وافقت الحكومة المصرية على إرسال 55 قطعة أثرية من أندر آثار الفرعون الصغير «توت عنخ آمون» التي كشف عنها المكتشف الإنجليزي هيوارد كارتر في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1922.. وعلى الرغم من أن هذا الفرعون قد مات صغيرا قبل أن يتم العشرين من عمره، وعلى الرغم من أنه حكم مصر أقل من تسع سنوات ولم يكن قد أعد لنفسه بعدُ مقبرة تليق بفرعون مصر مثل أجداده الفراعنة، فإن أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية عُثر عليها في مقبرته لا تزال تخطف أبصار الدنيا وقلوب الناس بمجرد رؤيتها.

نعود إلى قصة المعرض الأول للملك «توت» في الولايات المتحدة، فقد عُرضت الآثار في متحف المتروبوليتان، وعلى الرغم من أن المتحف قد حقق ملايين الدولارات سواء من التبرعات للمتحف أو شراء الكتالوجات التي أعدت عن آثار الملك «توت»، أو شراء الهدايا التذكارية، وكذلك أموال التغطيات التلفزيونية والصحافية للمعرض، فإن مصر لم تستفِد بشيء من كل ذلك، ولم يعد هذا المعرض على مصر بأي عائد مادي، على الرغم من أننا لا يمكن أن ننكر العائد السياحي والدعائي الذي استفدنا منه بوجود الملك «توت» في أميركا.

الآن وبعد أن عرفنا كل هذه الحقائق.. فإن معرض الملك الذهبي «توت عنخ آمون» يعود مرة أخرى إلى مدينة نيويورك بعد غيبة أكثر من أربعين عاما، وفي هذه المرة لن تعرض عجائب الملك «توت» داخل المتروبوليتان وإنما في صالة عرض خاصة بمدينة نيويورك، والسبب هو إصرار المتروبوليتان على عدم دفع أي مقابل مادي لمصر بحجة أن دخول المتحف عادة بالمجان، وذلك على الرغم مما نعرفه أنه ما من أحد يدخل المتروبوليتان دون دفع تبرع للمتحف، إلى جانب تحصيل المتحف عوائد مالية كبيرة ضخمة ذكرناها من قبل.

وعندما تلقينا رد المتروبوليتان أعلنت لوكالات الأنباء والصحف أن مصر لن تقدم وجبات مجانية بعد الآن!

وقد قوبل هذا الإعلان باستحسان شديد في كل وسائل الإعلام خصوصا بعد أن استطاع المعرض تحقيق نحو 100 مليون دولار لمصر على مدى السنوات الأربع الماضية من خلال عرضه في عدد من الولايات بأميركا.

أما القاعة المتحفية التي سوف تستضيف المعرض فتوجد في أرقى مكان بميدان التايمز بمدينة نيويورك، وقد تم إعداد المعرض بمستوى وأسلوب عرض راقيين تتوافر فيهما كل مقومات النجاح والجذب.. وقد قام المنظمون للمعرض بإقامة تمثال لـ«أنوبيس» رب الجبانة والموتى عند المصري القديم أمام تمثال الحرية أشهر معالم مدينة نيويورك.. وذلك للإعلان عن مقدم الملك «توت» الذي زار معرضه منذ قدومه إلى أميركا منذ أربع سنوات وحتى الآن نحو خمسة ملايين زائر.

وعائدات هذا المعرض سوف تذهب لبناء المتحف المصري الكبير الذي سوف يصبح أهم وأكبر متحف للآثار في العالم كله. وقد ظهرت الصحف والمجلات في أميركا وهي تصور تمثال «أنوبيس» أمام تمثال الحرية وتسأل: لماذا «أنوبيس» بالذات للدعاية للملك الصغير؟

والحقيقة أن تمثال «أنوبيس» على مقصورته وُجد في الغرفة التي تسمى بـ«غرفة الكنز» داخل مقبرة الملك «توت» وبجوار غرفة الدفن حيث مومياء الملك.. ومن هنا كان «أنوبيس» دوما هو راعي وحامي الموتى في مصر الفرعونية.. ولا يزال الملك الذهبي «توت عنخ آمون» الذي سافر إلى أوروبا وأميركا يسهم بعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة في ترميم الآثار المصرية!

ولا يزال بريق الفرعون الذهبي الصغير يخطف أبصار الدنيا كلها!