الإعلام.. أزمات لا أزمة واحدة

TT

عديدة هي الغضبات التي تصيب مجالس الأمة أو الشورى في عدد من الدول العربية أو بعض الهيئات الرسمية والعامة جراء حلقة تلفزيونية ما أو حفلة غنائية لمطربة شابة أو برنامج فكاهي جريء يرى فيها أهل الغضبة تلك خدشا للحياء العام أو مسّا بالقيم المجتمعية.

غالبا ما تخلص حفلات الانفعال تلك إلى دعوات تحذر من انهيار المثل وتطالب بنص ميثاق شرف إعلامي أو صياغة قوانين جديدة تضبط التفلتات «الأخلاقية» تلك.

تكرر ذلك أخيرا بعد حلقة تلفزيونية بثت على التلفزيون المصري سببت أزمة سياسية في الحزب الوطني الحاكم بعد أن انجرف ضيفا الحلقة، ومن بينهما نائب في البرلمان في حفلة سباب وقدح بدا أن لها جذورا وخلفيات تمّ تجديدها في الحلقة رغم دعوات «شيخ» كان قد افتتح البرنامج بابتهالات للتوفيق ولم الشمل لكن الدعوات تلك انقلبت في نهاية الحلقة إلى شتائم وذمّ وفضائح.

على غرار الأزمة التي أثارتها الحلقة التلفزيونية المصرية الأخيرة، سبق أن سجلت احتجاجات لنواب ضد حفلات فنية في الكويت والبحرين وحملات واسعة ضد برامج فكاهية في لبنان، وضد أفلام و... اللائحة تطول وجميعها كانت احتجاجات تخلص إلى المطالبة بمواثيق شرف والتزامات أخلاقية تفرض على وسائل الإعلام.

حتما ليس ما تقدمه القنوات التلفزيونية على تفاوتها هو إعلام خالص، والباحث عن سقطات وارتكابات سيجد سيلا من الكراهية والسخف والابتذال والشعوذة، وهي مظاهر قوضت دور الإعلام كأداة تعبير مدنية، وحولته إلى آلة تفاهة ضخمة. المشكلة الأخيرة التي أصابت التلفزيون المصري هي واحدة من أوجه مأزق الإعلام العاجز عن تعبئة الفراغ الفكري الهائل في مجتمعاتنا الغارقة في أزمات لا تبدأ بتراجع فضاءات التعبير ولا تنتهي بالحروب والانقسامات.

مجددا يدور الحديث عن مواثيق شرف. لكن مشكلة محاولات الضبط والرقابة عبر مواثيق الشرف أنها تعتمد تقنيات تقليدية لوسائل اتصال وإعلام تفوقها ذكاء وقدرة على عدم الالتزام بالضوابط، فإذا كان مقدم البرنامج قد قرر الالتزام بميثاق الشرف فما الذي يضمن التزام ضيوفه بهذا الميثاق في حال البث المباشر..

هذه الحال يمكن أن تصيب الإعلام المكتوب الذي صار له بثه المباشر المتمثل بالصحافة الإلكترونية عظيمة القدرة على التخفف من أشكال الرقابة كلها.

ثم ماذا نفعل بالإعلام الفردي من مثل «الفيس بوك» و«البلوغ» وغيرهما.

ويبدو أن عدوى انعتاق الإعلام الفردي من أشكال الرقابة المختلفة أصاب الإعلام الجماعي المتمثل بالتلفزيون، فضيف الحلقة التلفزيونية لن يتمكن من ضبط إيقاع جنوحه أو غضبه، ما دام في وسعه أن يترك لهما العنان في نمط آخر من الإعلام. سينجم عن ذلك طبعا مواقف ربما كانت كوميدية وربما مأساوية لجهة مفارقتها لياقة المشهد العادي.

ربما كان الحل، إذا ابتعدنا عن مواثيق الرقابة والضبط، في إنتاج مشاعر مسؤولية حيال الرأي العام تجنبه استقبال مشهد الاشتباك الذي كابده التلفزيون المصري. هنا، نحتاج ربما إلى ربط دور الإعلام بثقافة حقوق الإنسان وإعادة الحياة إلى حركات مدنية لا عبر مواثيق لا يختلف واضعوها كثيرا عن النماذج التي قدمتها الحلقة التلفزيونية الأخيرة...

diana@ asharqalawsat.com