ما وراء كتفيه

TT

اتفاقات خفض التسلح التي أعلن عنها الرئيسان باراك أوباما وألكسندر ميدفيديف الخميس، لا معنى عسكريا لها، بقدر ما هي مليئة بالمغزى السياسي. من الناحية العسكرية، روسيا دولة متخلفة عن أميركا تكنولوجيا، وموازنة أميركا الدفاعية تزيد 25 مرة على موازنة موسكو، كما قال فلاديمير بوتين حين كان رئيسا للجمهورية. لكن المغزى في مثل هذه الاتفاقات أنه يدل على مدى تحسن العلاقات الثنائية بين الفريقين، أو على مدى الرغبة في تحسنها.

حضرت، صحافيا طالعا، أولى هذه التوقيعات في موسكو عام 1972، بين ليونيد بريجينيف وريتشارد نيكسون. كانت الحرب الباردة في ذروتها وحرب فيتنام على أشدها، وكان إلى جانب الزعيمين أشهر وزيري خارجية في الحرب الباردة: أندريه غروميكو وهنري كيسنجر. وقد وقع الطرفان يومها سلسلة من الاتفاقات العسكرية، بين بلدين مدججين بالصواريخ والقواعد في أنحاء العالم. وكان قد مضى أقل من عقد على تلك المواجهة التي بلغت لحظة الزر الأخير، بسبب أزمة الصواريخ في كوبا. على أن التقديرات كانت تقول، عام 1972، أن ثمة تفوقا نوويا سوفياتيا على أميركا.

تأتي الاتفاقات الحالية في مناخ متأزم، وفي وقت تسعى روسيا إلى استعادة شيء من مواقعها الضائعة حول العالم. وقد بلغ بوتين أقصى صراحة ممكنة عندما قال عشية مؤتمر الدول الثماني عام 2006، «وكما يقولون، فإن الرفيق الذئب يعرف من يأكل. أين هو كل الكلام حول حماية حقوق الإنسان والديمقراطية عندما تصل المسألة إلى مصالحهم». وفي مقابلة مع التلفزيون الفرنسي قال: «إذا عدنا مائة عام إلى الوراء نجد أن الصحف كانت تتحدث عن مهمة التمدين. وإذا استبدلنا كلمة ديمقراطية بتمدين نكتشف أن الأمر لم يتغير منذ مائة عام». تحدث بوتين فيما أفاد استطلاع أن 58% من الروس يعتبرون أميركا «بلدا غير صديق». ثم عاد بوتين إلى شن هجوم أعنف على واشنطن العام التالي في مؤتمر دولي عقد في ميونيخ، «مهما جمل المرء مصطلح عالم القطب الواحد، فهو يعني في نهاية المطاف أن ثمة مركزا واحدا للسلطة ومركزا واحدا للقرار. وهذا غير قانوني بالنسبة لنظرية السيادة، لأنه يدمرها من الداخل. دعونا نوضح: لن يكون هناك بعد اليوم بلد واحد يطلب منا ما يجب أن نقول وما يجب أن نفعل وكيف يجب أن نفكر. لن نقبل العودة إلى طريقة واحدة في التفكير».

هل كانت روسيا خلف انقلاب قيرغيزيا الأسبوع الماضي، ولو نفت؟ وبالتالي خلف خروج القواعد الأميركية؟ يجب أن ننظر خلف كتفي الرفيق ميدفيديف. إن ما تم الاتفاق عليه، بينه وبين أوباما، هو نوع من الهدنة، أو الانفراج السياسي. أما الهاجس العسكري فليس في الصواريخ هنا أو هناك. ثمة هاجس وحيد الآن، وهو في بوشهر.