هموم العراقي في «عبوذيته»

TT

«العبوذية» من أكثر الأغاني العراقية الشعبية شيوعا بين أهل الجنوب. تعبر عن آلامهم وضيقهم وهموم معيشتهم. وهي من بيتين من بحر الوافر، الأشطر الثلاثة الأولى منهما تنتهي بجناس من نفس الكلمة ولكن بمعان وتوريات مختلفة والشطر الرابع ينتهي بالياء المفتوحة. ولهذا تتطلب حذقا أدبيا من الشاعر والمغني. اختلف الباحثون في أصل الكلمة. رأى البعض أنها مشتقة من «أبو أذية»، أي من يعاني من أذى الحياة. ولربما جاءت من العبودية التي يعيشها الفلاح العراقي، والله أعلم.

مما علق في ذهني منها كان ما غناه محمد القبانجي، ومما يصلح أن يكون نشيدا لكل المغتربين العرب من أمثالي:

حبيبي لا تقول الدهر سرنا

هجرنا ديارنا وللغرب سرنا

وحياتك ما ظهر للناس سرنا

لكن دمعي فضحني وعم عليّ

وكما قلت، تعبر «العبوذية» عن سخط العراقي، ولا سيما قرفه من السلطة. روى لي الدكتور ليث الكندي أن رجلا من أهل الناصرية قصد بغداد وخطر له أن يزور صديقه صالح جبر، وكان من سكان الناصرية أيضا وربطته علاقة صداقة بالرجل، قبل أن يصبح وزيرا للداخلية. توجه الرجل إلى مكتبه في السراي وطلب السماح له بزيارته والسلام عليه. أبقوه في غرفة الانتظار حتى انصرم النهار فعاد إلى الفندق. كرر المحاولة في اليوم التالي، ومر يومان دون أن يحظى بهذه الزيارة. أخذ وريقة وخط عليها هذه «العبوذية» وطلب من الفراش أن يسلمها لمعالي الوزير:

الخلق لو مرة يشوف الحق يومن (يؤمن)

وعيون الناس عالغلطات يومن (يومئن)

ترضى انت تظل عالباب يومين

لو آنا كنت وزير الداخلية؟

وتعين السيد معد عامر قائمقاما لأحد أقضية المنتفق في ديار آل السعدون. وحاول السيد معد أن يثبت كفاءته في منصبه الجديد في التشدد بتحصيل الضرائب. عانى من تشدده أحد وجهاء المدينة عندما أمر القائمقام بمصادرة كل ما في بيته من أثاث وحصائر وبيعها بالمزاد لاستيفاء حقوق الحكومة. لم يملك الرجل غير أن يخضع لأوامره ففتح باب الدار للمحصل والحمالين ليأخذوا ما يأخذون وتركوا الرجل جالسا على الأرض لا حول له ولا قوة. ولكنه أخرج هو الآخر ورقة وكتب هذه «العبوذية» وسلمها لمحصل الضريبة وقال له أعطها للسيد الفاضل القائمقام معد عامر:

ضوا (اشتعل) قلبي وصرت مجنون عامر (مجنون ليلى)

وعسى بيتك يا معد لا كان عامر

لو أن يدري من صلبه تصير عامر

عاف امك وعاشر له مطيه