الأسد في القاهرة

TT

الزيارة المحتملة للرئيس السوري بشار الأسد إلى القاهرة التي تداولتها الأخبار منذ القمة العربية في سرت ليست بمستغربة، إذا ما عرفنا كيف يتحدث المصريون والسوريون عن علاقات بلديهما حتى في ظل ما عرف بالقطيعة.

بعد حرب صيف 2006 على لبنان، سألت مسؤولا مصريا كبيرا إن كانت العلاقات المصرية السورية ستعود إلى مجاريها بعد حالة الانقسام التي سادت العالم العربي في تلك الفترة، فقال: «نحن لا نفرط في سورية مهما كانت الظروف، وقد لا يرفع الرئيس السماعة على دمشق لمدة ثلاثة أشهر للتعبير عن انزعاجه، أما إذا زادت المدة عن ذلك فتأكد أن القطيعة تخدم مصلحة الطرفين». وكانت العبارة الأخيرة لغزا بالنسبة لي، ولم يفسر المسؤول ما أراد قوله لشدة حساسية الأمر في تلك الفترة.

السوريون بدورهم وعلى المستوى العالي يدركون المعنى في ظل تعقيدات مشهد شرق أوسطي معقد. لكن الحقيقة التي تبدو واضحة اليوم أن العلاقات المصرية - السورية ومعها العلاقات السعودية – السورية، التي بدت مرتبكة ومتوترة، كانت في الحقيقة بشكل أو بآخر تصب في مصلحة الأطراف الثلاثة في تلك الفترة، بمعنى أنه ربما كان هناك ضغط على مصر أو على المملكة العربية السعودية لإحراج سورية لقبول سياسات بعينها في لبنان أو العراق أو فلسطين، وهم لا يريدون ممارسة هذه الضغوط على سورية أو لا يوافقون عليها، فيكون من مصلحتهم القول بأن علاقتهم بدمشق لا تسمح بذلك، لذا كان ترك السوريين في حالهم هو الحل الأمثل والمناسب للأطراف الثلاثة في ظل ظروف إقليمية معقدة.

ومن هنا كانت القطيعة في وقت يحتاج إلى القطيعة، والانفراجة في وقت يسمح بالانفراجة.

الموقف المصري من سورية لا يختلف كثيرا عن الموقف السعودي، وللتأكيد على ما أحاول قوله هنا، لنا أن ننظر إلى موقف السعودية في عز الأزمة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث أرسلت القيادة السعودية أيامها الأمير بندر بن سلطان مسافرا بين العواصم لإيجاد حلول تقلل من الضغط على سورية، كما كان الملك عبد الله بن عبد العزيز حريصا على كرامة سورية وشعبها، وقد قالها صراحة لي في مقابلة مع «الشرق الأوسط». النقطة الأساسية هي أن الانفراجة التي حدثت في العلاقات السعودية السورية كانت بمثابة مؤشر على أن انفراجة العلاقات المصرية السورية ستتبعها.

وربما أتت الانفراجة السعودية السورية أولا لأن مصر كانت تعاني من ضغوط صعبة من كل الأطراف في حرب إسرائيل على غزة. الظروف التي مرت بها المنطقة من 2006 إلى 2009 لم تكن هينة، وتغير هذه الظروف بالنسبة للطرف السعودي يعني أن إمكانية تغيرها بالنسبة للطرف المصري واردة جدا.

الدعائم الرئيسية للعلاقات المصرية السورية متينة على الرغم من المماحكات السياسية، فالشعب السوري محب فعلا للشعب المصري، والمصريون أيضا يشعرون بعلاقات خاصة مع الشعب السوري، هذا إضافة إلى أن الرئيس المصري حسني مبارك ومنذ توليه الحكم عرف عنه الهدوء في معالجة القضايا العربية - العربية من دون انفعال، وظني أن خطوة ذهاب الرئيس السوري إلى مصر للاطمئنان على صحة الرئيس مبارك خطوة يجب أن نباركها جميعا وتأتي في سياق طبيعي لإعادة العلاقة إلى مسارها الطبيعي، فالمثلث السعودي المصري السوري ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى. هذا المثلث الذي كان صمام الأمان في حرب تحرير الكويت عام 1990 – 1991.

إذا ما عاد هذا المثلث إلى طبيعته وقوته سيكون عنصر استقرار للمنطقة برمتها، وسيجعل الإسرائيليين يحسبون لهذا التوافق العربي ألف حساب. الإسرائيليون يتصرفون كما يشاءون لأنهم مقتنعون بأن العرب منقسمون. فمرحبا بالرئيس السوري في القاهرة، ومرحبا بقمة تجمع الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك والرئيس بشار الأسد في شرم الشيخ، فالأمة تحتاج حقا إلى هذه القمة.