سوشي شامي!

TT

العنوان لا خطأ مطبعيا فيه ولا هو باسم ياباني غريب تقريبا على أي حال. سأفسر وأوضح مقصدي. سورية تتغير بشكل واضح لكل من يزورها، ملامح التغيير ظاهرة في مواقع مختلفة، سورية البلد الذي كان يبدو للكثيرين وكأنه نسيه التاريخ أو تجمد في ذاكرة الزمان، يبدو الآن أنه في سباق مع الوقت للحاق بما فات سورية. سورية كما يبدو أصبحت «نكهة اليوم». بلد معتز بتاريخه وفخور بتراثه يجد صعوبة بالغة في فكرة قبول التغيير والترحيب به، ولذلك يبدو مدهشا هذا «الغزو» المتنوع في مختلفة المجالات على الساحة السورية، المائدة السورية غنية وذات تراث باهر، وإذا ما جلست مع السوريين لن تمضي دقائق إلا ويتحول الحديث عن الأكل وأصنافه وأشكاله من مقبلات ومشاو وكبب وحلويات، ومن المائدة السورية وما عليها تستطيع التعرف على الموسم الزراعي في وقته، لذلك يصاب السوريون بالدهشة وهم يرون مطاعم وجبات «السوشي» اليابانية، التي تقدم الأسماك النيئة من دون طهي، وهي تنتشر في العاصمة السورية ويفتح الفرع تلو الآخر منها في بلاد تميل وبقوة شديدة للحوم الضأن وبينها وبين الأسماك عداء غير رسمي! ومع ارتفاع معدل سعر وجبة «السوشي» بالنسبة لمعدل الدخل في سورية، فإن الإقبال كبير والنجاح مثير.

مظاهر التغيير تطال قطاعات مختلفة والحراك الرأسمالي الواضح لا يمكن إنكاره، الاستثمارات الأوروبية والتركية تحديدا ومحال التجزئة والمقاهي والمطاعم في كل مكان. السوريون يخرجون أموالهم من بنوك لبنان ومن ديارهم ليودعوها في مصارف تجارية جديدة تبرق وتلمع، واليوم السوريون لم يعودوا يقصدون لبنان كما كانوا في السابق ولكنهم يتمتعون بما بات متوفرا في بلادهم ويبتسمون وهم يشاهدون اللبنانيين بأنفسهم وهم يأتون إليهم للتسوق والأكل لأن الأسعار السورية أرخص والخيار جيد، وهذه جمل لم يكن أحد يتوقع سماعها، ولكن مرة أخرى سورية تتغير! كم بقي من فكرة البعث الاشتراكية؟ حقيقة.. الحراك الجديد يوضح أن هذه الشعارات ما هي إلا كذلك فقط: شعارات ليس أكثر، وأن السوريين عادوا إلى ما يعرفون إتقانه بشكل مميز عبر الزمان وهو التجارة.

الفكر «المركنتيلي» أو التجاري القح هو ما يميز السوريين ويجعلهم قادرين على الرحيل لأصقاع الأرض والمتاجرة مع الكل بسلاسة ونجاح، وهو الذي سيكون مفتاح تطور البلاد وإخراجها من حال إلى حال.

سورية بهدوء استطاعت النجاح في ضمان الاستقرار السياسي فيها، واليوم التحدي الاقتصادي وإحداث النقلة المطلوبة لتكون البلاد لاعبا فاعلا على الساحة المالية يليق ببلد عريق كسورية هو التحدي الأكبر، وملايين السوريين في الشتات ينتظرون فرصة كهذه.

[email protected]