الإبحار في إطار نظامي

TT

عندما يناقش المسؤولون في إدارة أوباما النهج الذي يتبعونه في السياسة الخارجية، فإنهم يستخدمون غالبا مصطلح «إطار نظامي». ويبدو هذا المصطلح وكأنه تعبير عسكري، لكنه في الحقيقة يشير إلى القواعد النظامية المتبعة في مجلسي النواب والشيوخ، اللذين عمل بهما الكثير منهم من قبل.

ويفسر أحد كبار المستشارين ماذا سيحدث إذا ما حاول مسؤول بارز الذهاب إلى المكتب البيضاوي وإطلاع الرئيس على مبادرة جيدة متعلقة بالسياسة، حيث يقول إن الرئيس أوباما سيطرد مقدم المبادرة، ويخبره بأن طلبه لم يتم مراجعته من قبل المسؤولين «ولم يتم في إطار نظامي».

وبمعنى آخر، يعني الإطار النظامي بالنسبة لهذه المجموعة «الإجراء المناسب». إنه على نحو مميز رؤية روتينية خاصة بأوباما للكيفية التي من المفترض أن تعمل الحكومة وفقا لها: كل شيء يتم بصورة منهجية، ونظامية، ولا مكان للمفاجآت.

ويعتقد المسؤولون في البيت الأبيض أنهم في النهاية يصلون إلى هذه السرعة البيروقراطية في الإبحار على نحو جيد خلال العام الثاني من رئاسة أوباما. لقد وضعوا نظاما يصوغ ويطلق مبادرات الأمن القومي عبر مجموعة من القضايا العالمية.

وتجلت هذه العملية الدالة على الثقة هنا خلال الأسبوع الحالي، في قمة شاركت فيها 47 دولة حول الإرهاب النووي، والذي يمثل واحدة من القضايا التي أحرزت تقدما في سلسة سياسات أوباما. لقد كانت بمثابة إطار نظامي في صورة أكثر قوة، مع تسابق سيارات الليموزين حول المدينة لتنقل صانعي السياسة إلى مؤتمرات متعددة الأطراف واجتماعات ثنائية مع الرئيس، هذا إلى جانب دوي صافرات الإنذار في السيارات ورجال الشرطة يزيحون الأشخاص العاديين بعيدا عن الطريق. ووراء كل هذه الضجة، ظهرت مبادرة استراتيجية كبيرة في طريق السياسات: وتتمثل الفكرة في التحرك بعيدا عن النموذج القديم للخطر النووي، وهو صورة الرؤوس الحربية فوق الصواريخ، إلى التهديد الجديد للإرهاب النووي. وحتى مع الدول المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية، يرى معظم خبراء الاستراتيجية أن الخطر الكبير هو تسرب المواد الانشطارية إلى أيدي الإرهابيين، وليس الإصدار القديم من المعركة النووية الكبرى الفاصلة.

وجرت الدعوة إلى هذا التغيير في الاستراتيجية النووية في سيل من أوراق السياسة التي تقدم بها الحزبان على مدار الأعوام القليلة الماضية، لكن الأمر جرى في إطار منظم لمجلس الأمن القومي من أجل إحداث هذا التغيير. وعند هذه النقطة يأتي دور أوباما والإطار النظامي:

ففي حملة امتدت لأسبوعين، وقع أوباما معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا، يتم بموجبها خفض الرؤوس الحربية بواقع 30 في المائة وإصلاح عملية التحكم في الأسلحة؛ وعزز المكافآت للتشجيع على توقيع معاهدة حظر الانتشار عن طريق إصدار بيان جديد «للوضع النووي» يعد خلاله بعدم شن أي هجوم نووي على الدول التي تلتزم بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؛ وفي الأسبوع الحالي، يجري عقد قمة حول الإرهاب النووي. هناك الكثير من الأدوار المتحركة، لكن كانت هناك طريقة للهوس بالجداول الزمنية.

بإمكانك القول بأن أوباما قد بحث بعناية بنود سياسته الخارجية منذ أن تولى منصبه وذلك بهدف تعديل السياسات التي يعتقد أنها عفى عليها الزمن، وتشمل هذه البنود: تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم، تم إنجازه؛ «إعادة تنضيد» العلاقات مع روسيا عن طريق إلغاء خطة غير حكيمة للدفاع الصاروخي، تم إنجازه؛ تحسين العلاقات مع باكستان، ليكون لدى الولايات المتحدة استراتيجية قابلة للتطبيق للخروج من أفغانستان، تم إنجازه؛ تشجيع الحوار بين الهند وباكستان، تم إنجازه؛ محاولة إشراك إيران، بحيث نحظى بالمصداقية في المطالبة بفرض عقوبات شديدة فيما بعد، تم إنجازه؛ وضع خطة سلام أميركية للشرق الأوسط، تم إنجازه جزئيا ولا يزال قيد التنفيذ.

وجميع هذه السياسات مرت من خلال مجلس الأمن القومي الذي يُدار بصورة جيدة. فهناك مجموعة «راشدة» مكونة من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع بوب غيتس ومستشار الأمن القومي جيم جونز؛ لقد وافقوا على معظم القضايا. وهناك من هم تحت سيطرتهم وهم معالجو السياسات بقيادة توم دونيلون، نائب مستشار الأمن القومي، ورئيسه الفعلي رام إيمانويل، رئيس موظفي البيت الأبيض.

وفي الوقت الذي يفرض فيه أوباما الإطار النظامي، فإنه يحاول إصلاح ما رآه على أنه الإطار الفوضوي للرئيس الأسبق جورج دبليو بوش. أثناء ولايته الثانية، قام بوش بتخصيص السياسة، حيث عقد مؤتمرات فيديو كونفراس آمنة مع القادة في كابل أو بغداد، من دون التأكد دوما من تثبيت الأمور العملية. كان مجلس الأمن القومي في فترة رئاسة بوش الأولى متسما بالفوضى تماما، حيث رفض وزير الدفاع دونالد رامسفيلد المشاركة في عملية مشتركة بين الوكالات، وكان نائب الرئيس ديك تشيني يدير ما كان يرقى إلى فريق مواز لمجلس الأمن القومي. ولا عجب أن السياسة الخارجية كانت متسمة بالفوضى إلى حد كبير.

وخطر أوباما يتمثل في أنه يحاول عمل الكثير: إنه رجل طموح ومنظم، ولم يفكر قط في مبادرة لم ترق له. لكنه على الأقل شكل هيكلا متماسكا ويدار بصورة جيدة في مجلس الأمن القومي للتأكد من أن معظم، إن لم يكن جميع، الأمور تحدث بصورة جيدة.

* خدمة «واشنطن بوست»