الحمام لا يلقط الحَبّ في شارع الصحافة!

TT

«إن الصحافي ما لم يتصف بالشر ليس صحافيا».. عبارة نسج كلماتها الإعلامي عثمان العمير ذات موسم حصاد للخبرة، ولكنه وجد نفسه قبل أيام في «اثنينية» تكريمه في جدة يحاول شد نسيج العبارة ليقول إن الشر الذي قصده هو الشر الأبيض، المقرون بالحقائق والاستكشاف والبحث عن الخبطات الصحافية، معتبرا أن الصحافي الذي يبتعد عن الشر الأبيض ليس صحافيا!

وبعيدا عن الشر وتدرجاته اللونية في ذهن العمير، فإن بعضا من السمات النفسية تميز الصحافي الحقيقي عن غيره، وفي مقدمة هذه السمات: الذكاء والدهاء والفضول، ويندر أن تجد صحافيا لا يتصف بهذه السمات، والصحافي الوحيد الذي عرفته طيبا وساذجا و«على نياته» أثبتت لي الأيام أنه لم يكن صحافيا على الإطلاق، وأنه من الغاوين الذين وجدوا أنفسهم في حقل ملغوم، يَشقَون بزمالة دهاة البشر.

ولي صديق هبط في مطار الصحافة متأخرا فسألته: «كيف وجدت مجتمع الصحافة؟» فأطلق ضحكة لها ألف معنى وقال: «وجدت نفسي وسط رادارات بشرية، أعين فاحصة، وآذان لاقطة، مع أناس يغربلون الكلام المتناثر، وينبشون أكوام النيات بحثا عن دليل ضد الإنسان المتهم بعض الكلب!».

وخطب صحافي من زملائنا ابنة شاعر جميل فرفضه رفضا حاسما، وحينما عتبت عليه قال ضاحكا: «لا يمكن أن أزوج ابنتي رجلا بهلوانا، يلعب بالبيضة والحجر، ويغزل بالسبع الإبر، يكسب رزقه من عصر ثمار الكلام»، ولذلك الرجل اليوم نصف دستة من الأسباط، هم أبناء ذلك الصحافي الذي ظل ينعته بـ«بيّاع الكلام».

وقد لا أذهب هنا إلى ما ذهب إليه العمير، وقد لا أصل بالصحافي إلى تخوم الشر بلونيه الأبيض والأسود، ولكنني عبر عقود من الاشتغال بالصحافة أستطيع أن أقول إن للكثير من الصحافيين البارزين مخالب وأنياب، وينتمون إلى فصيلة الصقور، فالحمام الأليف لا يلقط الحَب/الخبر في شارع الصحافة، ولا يبني أعشاشه، ولا يمارس الهديل.

والعمير سلك في حكمه مسلك الأديب المازني، حينما قال إن الممثل الناجح في لعب أدوار الشر لا بد أن يكون في طبعه شيء من ذلك، فثار عليه يومها الممثلون وبعض الكتّاب، ولكنه ظل حتى آخر يوم من حياته مقتنعا بأن ما قاله يمثل الحقيقة «وليس ابن عمها»، وفي كل الأحوال يظل الصحافي البارع بخيره «وخيره»، صانع أرغفة الخبر الساخن الذي لا غنى لنا عنه مهما أحرق أطراف الأنامل.

[email protected]