أرقام ومراجع

TT

في مقال عن جورج بوش (الأخير) والذرائع المزيفة - جميعها - لشن الحرب على العراق، أوردت أرقاما من نوع: قوة أميركية - بريطانية من 300 ألف عسكري، مزودة بـ920 دبابة، ومعها 900 طائرة حربية وهليكوبتر إلى أن أقول إن كلفة الحرب كانت 5000 دولار في الثانية. وبعث قارئ كريم برسالة إلى البريد يستفظع الأرقام، ويتساءل من أين أتيت بها، ولماذا أنبش مراجعها. ترددت كثيرا في الرد، لأن في ذلك تهمة بالاختلاق. ولست أدري كيف يمكن للمرء أن يختلق أرقاما من هذا النوع، أو لماذا. فمثلا، إذا لم أكن أملك الرقم، لماذا لا اكتفي بالقول «قمة أميركية - بريطانية ضخمة». ولماذا أقول، وبموجب أي حسابات، إن كلفة الحرب 5 آلاف دولار في الثانية، بدل القول إن كلفتها مليارات الدولارات، وسكّنْ تسلمْ.

لكن خطر لي أيضا أن القارئ الكريم قد يكون على حق في مسألة نبش المراجع. وهذا مألوف في المطالعات والأبحاث والكتب والدراسات. ولا أنقل غالبا قولا إلا أشرت إلى صاحبه. لكن أمر الزوايا مختلف يا عزيزي. فلو اتبعت إثبات المراجع في كل أمر لتألفت الزاوية من بضعة أسطر والباقي حواش وقراءات. وأنا أعتمد على ثقتك بي. وأعتمد على تذكرك لتأكيدي الدائم بأنني لا أعرف في الأرقام، طرحا أو جمعا أو ضربا. ولذا عندما أنقلها أتأكد من أنني في يقظة، ولست أكتب عن الحروب في نومي ولا في مخيلتي. هذا ينطبق على الشعر. وعلى كتابات الحديقة تحت الصنوبر. أما الكتابة في حرب زعزعت الأمة شنّها مجموعة من مزوري التاريخ وفتنة البراكين ومحركي أبواب الجحيم، فهذه تتطلب أكثر من تأمل في الورد الجوري والإصغاء إلى خرير المياه. كُتّاب الزوايا، يا عزيزي، محكومون بحجم الزوايا. علينا أن نتدبر أمرنا في هذه الفسحة. وإلا كيف يخطر لك أنه يمكن اختصار كتاب أو رحلة في بضعة أسطر؟ وبما أن الزاوية زاويتنا فإننا نتحايل لكي نملأها بأفكارنا لا بالمراجع التي لا لزوم لها إطلاقا. فأرقام الاحتلال العراقي وردت في بيانات رسمية كان يلقيها علينا ضابط أميركي بعد ظهر كل يوم من قاعة العيديد. وعدد الطائرات متوافر في المجلات العسكرية وكتب الأطفال. وفي أي حال وإكراما لسيادتك، فأنني أخذت الأرقام (المأخوذة من بيانات رسمية) من كتاب «بعد الإمبراطورية: ولادة العالم المتعدد الأقطاب» الصادر عن دار «نيشنز» 116 شرق شارع 16، الطابق الثامن، نيويورك ولاية نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية، تاريخ النشر 2010، المؤلف ديليب هيرو. أما أن كلفة الحرب هي 5 آلاف دولار في الثانية فهي مأخوذة من مقال للكاتب نيكولاس د. كريستوف بعنوان «أميركا تصرف 5 آلاف دولار في الثانية في العراق «في صحيفة (نيويورك تايمز) في 22 مارس (آذار) 2008. وعذرا على الإطالة.