الاستعارة من «الإلياذة»

TT

عام 1923، تأمل شابان تخرجا حديثا في جامعة «ييل» حال الصحافة الأميركية، فوجدا أن ثمة مكانا للتحديث. رأى هنري لوس وبريتون هادن أن «النيويورك تايمز»، الصحيفة الأولى، ترفع شعار «نشر كل خبر يليق بالنشر»، وأن ذلك لا يليق بالعصر، ذلك العصر. واعتقد لوس أن رجال الأعمال، الغارقين في مواجهة الأزمة الاقتصادية، لم يعد لديهم الوقت لقراءة كل شيء، ومع ذلك لا بد أن يكونوا على اطلاع بما يجري حولهم من أحداث وتطورات. وفكر، مع هادن الذي يملك موهبة صحافية واضحة، في إصدار مجلة أسبوعية تحفل بجميع الأبواب: سياسة، طب، علوم، فن، وشهرة.

كان المشروع يحتاج إلى مائة ألف دولار لإطلاقه، وكلاهما يعمل براتب 4000 دولار في العام. واقترض هادن مبلغا صغيرا من والديه يكفي لاستئجار مكتب متواضع. واتفقا على أن يكون اسم الأسبوعية «حقائق»، ثم شرعا في مغامرة جمع المال. وذات مساء كان لوس عائدا إلى بيته في القطار الذي توقف عند محطة ترفع إعلانا تجاريا يقول: «حان وقت التغيير». وقرر فورا أن اسم المجلة سوف يكون «تايم».

يروي كتاب جديد بقلم «آلان برينكلي» كيف ولدت، من مغامرة صغيرة، أشهر مجلة في تاريخ الصحافة الأسبوعية، وكيف أصبح هنري لوس، الناشر، أحد أكثر الصحافيين نفوذا في أميركا، وشريكا في صنع سياساتها. لا أعتقد أن ثمة قارئا حول العالم لم يسمع بـ«التايم» في مرحلة ما. وكان الصحافيون في الماضي يقبلون عليها قبل سواهم. كما كانوا يقرأون، أول ما يقرأون، رسالة الناشر التي يروي فيها كيف أعدت المجلة ذلك الأسبوع، من حرر موضوع الغلاف، ومن هو فريق المصورين الذي استقل طائرة خاصة إلى دلهي أو جاكرتا أو برلين، ليعود بثلاث أو أربع صور تؤكد نص فريق المراسلين.

بهرتنا «التايم» في مرحلة طويلة من مراحل المتابعة الصحافية. وكان يبهرنا بصورة خاصة ذلك الأسلوب الجلي والمقتضب في تحويل المطولات إلى خلاصات. ولكن من أين جيء بهذا الأسلوب الذي يبدو قديما، كلاسيكيا، في مجلة تطلب الحداثة؟

رأى لوس وهادن أن أفضل أسلوب يمكن اعتماده هو طريقة هوميروس في كتابة «الإلياذة»، ملحمة الإغريق. تولى لوس إدارة النشر، وهادن رئاسة التحرير. وبعد نصف عقد كانت «التايم» قد أصبحت مجلة الطبقة الوسطى في كل أميركا. لكن في عامها السادس فقدت هادن، بمرض الاكتئاب. ومضى لوس يصنع إمبراطوريته وحيدا. أولا مجلة «فورتشون» ثم «لايف». ومع نهاية الحرب العالمية الثانية صار يعتبر نفسه «أكثر الناشرين نفوذا في العالم». ومع وفاته عام 1967 كانت الإمبراطورية قد بدأت تضعف. وفي 1972 أغلقت «لايف»، ثم في عام 1989 دمجت الدار مع شركة «وارنر».