لا حاجة إلى خبرة سياسية

TT

شحذ الليبراليون المولعون بخوض المعارك السياسية والمحافظون المترقبون لمعركة أرماجدون أخرى، من عزائمهم ورفعوا من استعداداتهم، لصراع قد يمتد طوال أشهر الصيف، حول مرشح الرئيس باراك أوباما الذي سيخلف بول ستيفنز على رأس المحكمة العليا. لكن على كلا الفريقين التوقف ومساءلة أنفسهم: كيف تغيرت طريقة التصديق على تعيين رئيس المحكمة أخيرا بصورة جذرية.

في عام 1939 دخلت المحكمة العليا في خضم معترك سياسي امتد نحو خمس سنوات عندما أعلنت عن عدم دستورية بعض أهم سياسات العهد الجديد، ورد الرئيس روزفلت على ذلك بمحاولة إجبار المحكمة، عبر زيادة عدد أعضائها، ما لقي على إثره انتقادات واسعة في انتخابات عام 1938. غير أن فليكس فرانكفورتر، أستاذ القانون في جامعة هارفارد، الذي رشحه روزفلت في الخامس من يناير (كانون الأول) لشغل منصب شاغر في المحكمة، تخطى جلسات الاستماع والتصديق على ترشيحه خلال 12 يوما، كان التصويت فيها شفهيا دون معارضة مسموعة.

وفي 20 مارس (آذار) قام روزفلت أيضا بترشيح ويليام أو.دوغلاس لشغل منصب آخر. وعلى الرغم من عدم امتلاك دوغلاس أي خبرات قضائية - كان رئيس لجنة البورصة والأوراق المالية - تم التصديق على تعيينه بعد 15 يوما فقط ولم يصوت أحد ضده على الإطلاق. واعتبر أصغر قاض فيما يزيد على قرن، حيث كان في الأربعين من عمره.

وأشارت ليندا غرينهاوس من صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن ستيفنز عندما رشح لشغل منصب رئيس المحكمة العليا عام 1975، في أعقاب قرار رُوي وادي بالتقاعد عام 1973 لم يُسأل سؤالا واحدا خلال جلسة التصديق على تعيينه بشأن الإجهاض، وتم التصديق على تعيينه بأغلبية 98 صوتا دون معارضة على الإطلاق، كما تكرر الأمر ذاته مع أنتونين سكاليا في عام 1986. بيد أن الأوضاع تغيرت في العام التالي عندما ألقى تيد كينيدي خطبة غوغائية في مجلس الشيوخ لشن هجمة ليبرالية ناجحة ضد روبرت بورك.

ومع تقاعد ستيفنز، يظل القضاة السبعة الباقون نتاجا لأعرق كليات الحقوق في الولايات المتحدة من هارفارد وييل وكولومبيا، وجميعهم كانوا قضاة فيدراليين. يشير الأستاذ تيري بيرتي أستاذ العلوم السياسية في جامعة سانتا كلارا - في مجلة «جوديكاتشر»، عدد نوفمبر (تشرين الثاني) / ديسمبر (كانون الأول) - إلى أن المحكمة كانت غالبا ما تضم قضاة ذوي خبرات سياسية. فقد كان جون مارشال، أفضل قضاة أميركا على الإطلاق والذي جعل المحكمة قوة بارزة في الدولة، كان مشرِّعا وعضو كونغرس سابقا. وبين عامي 1789 و1952 كان لدى بعض القضاة خبرات سياسية تنفيذية أو تشريعية. فرئيس المحكمة العليا الأسبق ويليام هوارد تافت، رئيس أسبق، تبعه تشارلز إيفانز هيوز وكان حاكما سابقا لنيويورك. وكان هيو بلاك سيناتورا عن ولاية ألاباما. وكان إيرل وارين حاكما لكاليفورنيا وهو ما مثل مشكلة لأن الرئيس أيزنهاور، اعتقد ككثيرين، أن التفكير السياسي أحيانا ما يحل محل العقلانية القضائية في صناعة قرارات وارين، وسعى إلى الخلفية القضائية في بقية قضاة المحكمة الأربعة.

وفي عام 1971 قام ريتشارد نيكسون بترشيح الاثنين الأخيرين - ويليام رينكويست ولويس بويل - دون اشتراط مثل هذه الخبرة. كان آخر قضاة المحكمة العليا الذين امتلكوا الخبرة السياسية ساندرا داي أوكونور التي كانت أحد مشرعي ولاية أريزونا قبل أن ترشح لتكون أحد قضاة المحكمة العليا. وقد فكر بيل كلينتون بصورة جدية في ترشيح أربعة سياسيين بارزين لشغل منصب قضاة في المحكمة العليا وهم ماري كومو حاكم نيويورك، وريتشارد ريلي وزير التربية والتعليم وحاكم كارولينا الجنوبية الأسبق، وبروس بابيت، وزير الداخلية حاكم أريزونا الأسبق، وجورج ميتشل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ.

ويعتقد ميتشل أنه عندما بدأت المحكمة في إلغاء التمييز العنصري كانت مهارات وارين السياسية واضحة في حصول القرار على الإجماع، فضلا عن افتقاد الفصل العنصري إلى العمق والقانونية، وأن القرار كان مطلبا شعبيا. لكن على الرغم من لعب المحكمة دورا بارزا في إسقاط العرف السائد في الجنوب فإن الحاجة إلى مثل هذا الدور القضائي البارز نادرة، ولا توجد مناسبات مماثلة يمكنها من خلالها لعب الدور ذاته اليوم. لذا لا توجد حاجة ماسة إلى اختيار قضاة للحكمة ذوي خبرات سياسية. يجب على المحافظين الساعين إلى المعركة الحذر في اختيار لغة الاعتراض، فالقرار الأخير الذي كان بمثابة الفزع بالنسبة لهم كان قرار كيلو (2005) عندما دعمت المحكمة دستورية حق حكومات المدن في الاستحواذ على الأراضي المملوكة للمواطنين وتقديمها إلى الشركات الغنية، من تخصيصها لمنافع عامة، سعيا وراء الحصول على المزيد من الضرائب. وقد تمنى المحافظون لو أن المحكمة كانت أقل تأييدا للحكومات المحلية المنتخبة. (وقد عبر ستيفنز عن ندمه فيما بعد عن دوره في قرار كيلو).

أما القرار الأخير الأكثر بهجة للمحافظين فكان قرار «سيتزينز يونايتد» (مواطنون متحدون) هذا العام، عندما رفضت المحكمة قسما من قانون تمويل حملة ماكين - فينغولد. وقد استنكر القضاة الأربعة رفض المحافظين للاحتكام إلى خبرة الكونغرس في تشريع الخطاب السياسي.

ومن ثم يجب على المحافظين إعادة التفكير في حديثهم بشأن النشاط القضائي. ولعل السؤال الأجدر يكون: هل سيكون المرشح من الفاعلية بحيث ينخرط في حماية الحرية من الانتهاكات التي تمارسها السيادة العامة؟

* خدمة «واشنطن بوست»